ويتقلبون فيما خلفه الخلفاء، من عروض ومتاع، وحلل ونفائس، يقابل الداخل عن شماله، غرفة السلطان تصاقبها أخرى لمجلس وزرائه، وقد أبقيتا على ما كانتا عليه، وفي أعلى المجلس روشنٌ أعدّ لجلالته، يُشرف منه على جلساته، فإذا خرجت منه أفضى بك الطريق إلى قصور متفرقة جعل في كل منها صنف من العروض والأثاث، واللباس والحلل، والحلي والشارات، مما كان في بيوت السلاطين، وقد نسقت في معارضها أبدع تنسيق، ونمقتها يد الفن أجمل تنميق، وما هي غير نفائس العصور، وتحف الحياة ومعجزات الصناعة، وبواكير البراعة، التي أنفق حذقة الصناع فيها حياتهم، وحبسوا في نمنمتها جهودهم وأوقاتهم، فجاءت تخطف الأبصار بروائها، وتذهل الألباب بأناقتها وزخرفها. .
ينتهي الطائف بعد هذا إلى بيوت السلاطين، وقد أبقى كل منها على ما كان عليه في عهد من عاش فيه، وهي متصلة متداخلة، يفضي بك بعضها إلى بعض، ويسلمك منها مجاز إلى مجاز، حتى تضلك السبل، وتنفذ معك الحيل في تعرج الموالج والمخارج، ولولا دليل معنا خرِّيت لعمي علينا القصد، وأنفقنا الزمن في أخذ ورد
سرت في هذه القصور، وصور الماضين تمر من أمامي صامتة ناطقة، فصرت أقيم في كل ركن مشهداً، ومن كل حجر معبداً، وفي كل لوح منظراً مخلداً، حتى توزعتني الصور والرسوم، وغشيتني الأشباح والطيوف؛ وازدحمت في خاطري الأخيلة والذكريات؛ هاهي ذي الآثار الصامتات قد انتصبت لناظري حزينة تتوارى كأشباح الموتى، وهذه قواعد البيت كأنها بعض قواعد الأهرام، تفيض بعبر الدهر، وتنطق بغوائل الزمن وفجاءات القدر كل يوم، ومن يدري ما تخبئ لها الأيام بعد حين، وقد أصبحت بين عشية وضحاها كما تراها
عمرت للسرور دهرا فصارت ... للتعزي رباعهم والتأسي
فلها أن أعينها بدموع ... موقفات على الصبابة حبس
ذاك مني وليست الدار داري ... في اقتراب منهم ولا الجنس جنسي
أجل سرت في تلك القصور، وكأني بمواكب السلاطين الحافلة، غادية راحة في أيام الجمع والأعياد، وكأني بخليفة المسلمين قد خرج من قصره، في طلعة الخلافة، وأبهة الملك محفوفا ببطانته، مزفوفا من رعيته، تستره عن الناظرين، صفوف الحجاب، وهياكل