للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يهدم ولا يبني

ويدور فن بيراندللو الروائي حول الشعور بالحياة، ويؤدي إلى فكرة مبهمة عامة، فإذا ما تطورت برزت أمامها عقبات لصدها عن اتخاذ طريقها الطبيعي، وأهم هذه العقبات ما يتعلق بالدين والأخلاق والقوانين، وما يجري للإنسان في حياته العادية أما أدبه فيرتكز على نظريات فلسفية يعبر عنها بلسان أبطاله، وليس الأدب في نظره سوى وسيلة للحياة في الخيال وللفرار من المتاعب المادية. فإذا فكر في موضوع رواية مسرحية أو قصة استسلم إليها وأحس أنه بعيد وسطه الحقيقي ليحلق في الجو المصطنع الذي يبتكره خياله. وهو في هذا يقول: (لا سيادة لنا مطلقا على أفكارنا وعواطفنا ورغباتنا، وأننا لسنا سادة بشخصياتنا، بل إن هذه الشخصية تخضع غالباً لأحكام الكون ولجميع ضروب التأثيرات النفسية. وأنه ليس لنا كيان شخصي معين بل إن شخصيتنا تتبع أعمال الغير، فنحن نلعب الدور الذي تفرضه البيئة ويفرضه المجتمع. وأننا سوف ننتهي إلى حيث لا نعرف)

ويخيل إلى أن بيراندللو يشبه من ناحيته الفلسفية عمر الخيام الذي كان ينادي بالقضاء والقدر، والى أن أساس الكون ومحور نظامه ليس إلا الاضطرار والجبر. فالقدر في نظر كل منهما أزلي والقضاء أعمى، ولسنا سوى آلات في يد الدهر، تحركنا كما تحرك الريح الشجر، فليس لنا من إرادة ولا في وسعنا أن نستقل بآرائنا إنما نحن (رخاخ) في رقعة شطرنج

يعارض النقادة الإيطالي النابه فردريك نارديللي في كتابه المسمى (حياة ومتاعب بيراندللو , - الرأي القائل بوجوب فصل حياة الفنان الخاصة عن فنه كيما يتسنى الحكم عليه أو في صالحه، فيصف لنا في أمانة وبساطة المصائب التي لاقاها بيراندللو في كافة أدوار حياته وارتباطها بفنه، فقد ولد بيراندللو وشب في جزيرة صقلية، ولذا فمن السهل أن نجد ظل الحياة الصقلية واضحاً عميقاً في رواياته ونجد أيضاً رسم التقاليد والعادات والحياة الاجتماعية الصقلية في عصر النهضة، والإشارة عن طريق خفي في إحدى مسرحياته بما وقع لأمه في بدء شبابها. فقد ظل والده بعد العام الأول من زواجه يعاشر ابنة عمته الأرملة، فحملت منه بما أدى إلى أن يمنحها هبة مالية بمثابة بائنة تساعدها على الزواج في بلد آخر

<<  <  ج:
ص:  >  >>