إلى شيخوخة مظلمة مغمورة بائسة، ثم إلى عالم العدم في قبر ناء مجهول
لم يكن كازانوفا شخصية عظيمة تجدر بالخلود في صحف التاريخ؛ ولكنه كان شخصية من نوع خاص تنحرف بطرافتها وغريب أطوارها عن سلك المجتمع الوديع الهادئ، ولكن تنفث في نفس الوقت بقوتها واضطرام خلالها أينما حلت في جوانب هذا المجتمع كثيرا من الفضول والسحر، وتغزو بمرحها وأناقتها قلوب أولئك الذين يعبدون الجمال والظرف مهما اتخذوا من أثواب خلابة طائرة؛ وقد كان كازانوفا يتشح بأثواب خلابة طائرة، ولكن مؤثرة ساحرة، ولم يكن يهمه في الحياة سوى النجاح مهما كان خلبا، والظفر بتحقيق أهوائه مهما كانت ومهما كانت الوسائل والصور؛ وقد ترك لنا فوق ذلك عن حياته الغريبة الحافلة مذكرات طلية شائقة مازالت تعتبر إلى يومنا تحفة أدبية فنية لها قيمتها ولها سحرها
ولهذا يظفر كازانوفا من التاريخ بالذكر والتدوين، وتغدو سيرته العجيبة سجلا حافلا لخلال عصره، وتغدو موضوعا ومستقى لأقلام بارعة تخرج عنها المؤلفات الحافلة
ولد جاكومو كازانوفا في الثاني من شهر أبريل سنة ١٧٢٥ بمدينة البندقية؛ وكان أبوه جايتانو ممثلا متواضعا ألقى به إلى البندقية وإلى المسرح قدر غريب، ذلك أنه هام في صباه بممثلة حسناء تدعى لافراجوليتا، وترك من أجلها أسرته وموطنه بارما، واحترف الرقص والتمثيل؛ ثم فتر هواهما بعد ذلك وتركته الممثلة لتجري وراء مغامرات أخرى، فاستبقى من بعدها حرفته، والتحق للعمل بأحد مسارح البندقية؛ وكان يقيم في المنزل المواجه لمسكنه صانع أحذية يدعى فاروزي وزوجته مارسيا وابنتهما الحسناء جوفانا أو زانيتا، فنشأت بين جايتانو وزانيتا علائق غرامية، ثم فر العاشقان ذات يوم وعقدا زواجهما في فبراير سنة ١٧٢٤، وبعد عام ولد ابنهما جاكومو
ولم تلبث زانيتا أن حملها تيار المسرح، فظهرت إلى جانب زوجها، وانفق الزوجان بضعة أعوام في التجول من مدينة إلى أخرى ومن مسرح إلى آخر؛ ثم أصيب الزوج أثناء وجودهما بالبندقية بمرض خطير أودى بحياته في أواخر سنة ١٧٣٣
وكان جايتانو كازانوفا فتى وديعا حسن الخلال، يؤثر الانزواء والعزلة؛ أما زانيتا فقد كانت بالعكس فتاة ذكية ماكرة مضطرمة النفس والأهواء؛ وكانت ممثلة بارعة تمتع بكثير من الظرف والسحر؛ وكانت دائمة التجول في عواصم القارة، من لندن إلى بطرسبرج، تحرز