يحصى من الأطفال المساكين. ففي الأمساء كانت معاملهم كميادين القتال في الأزمان الخوالي، حين كان الجند تُبقر بطونهم وتقطّع أوداجهم بالحراب تارة والنبال تارة أخرى. ضرب رو بأظفاره كالغول في أطحلة الموتى من الأطفال، ودار بارنج بين الدماء في ظلام من الجهل دامس حتى اصطدم أنفه بباب انفتح له عن حقائق وضّاءة باهرة ما كانت لتخطر على بال الإلهة
ولكنهما دفعا عن كل تجربة ناجحة ثمناً غالياً: ألفَ تجربة فاشلة، ولكن مع هذا، وبرغم هذا، قد اكتشفا الترياق
وما كان لهما أن يكتشفاه لولا أن سبقهما كشفٌ متواضع قام به فردريك لُفلار صياد المكروب الذي حمل على شفته شارباً ألمانيا حربيا علا واستطال حتى حجب بصره، فكان إذا نظر في المجهر نحّاه عن عينه؛ وكان يعمل لُفلار إلى يمين أستاذه كوخ في زمن البطولة الأولى حين كان يتصيد مكروب السل. ففي أوائل ذلك العقد التاسع من القرن الغابر كانت وطأة الدفتريا شديدة جداً، والدفتيريا داء تشتد وطأته وتلين في القرن الواحد مراراً. وامتلأت في المستشفيات عنابر الأطفال بالمرضى، وعلت أصوات أهليهم بنحيب لا فائدةَ منه تعود ولا نفع يُرجى، وخرجت من تلك الحلوق الصغيرة سعلة تصحبها قرقرة تنذر بأن الاختناق قريب، وتراءت وجوههم الصغيرة الزرقاء في وساداتهم البيضاء وقد ازرقّت من فعل اليد الخفية التي عصرت حلوقهم وضغطت على قلوبهم. ومشى الأطباء في هذه الأروقة يسترون يأس القلوب ببشاشة الوجوه، وساروا من سرير إلى سرير لا حول لهم ولا قّوة إلا أن يدسّوا في حلق طفل مختنق أنبوبة في هذا الغشاء الذي يسد عليه منفذ الهواء يحاولون بذلك أن يفتحوا له منفذاً إلى رئتيه
وقذفت خمسة أسرة من كل عشرة بأحمالها إلى رواق الأموات. وكان في أسفل الدار، وكان به لُفلار يعمل بجد لا يفتر، وهمة لا تضعف. كان يغلي مشارط، ويحمي في النار أسلاك البلاتين، ويدخلها إلى هذه الحلوق الجامدة من تلك الأجسام الهامدة التي أخفق الأطباء في طلب الحياة لها؛ ثم يخرجها منها وقد حملت مادة شهباء، فإما أن يدخلها في أنابيب رفيعة يسدها بنتافات من القطن بيضاء، وإما أن يضع عليها الأصباغ ثم ينظرها بالمجهر فيريه بَشِلاّتغريبة منتفخة الأطراف، وقد تنقّطت وتخططت بصبغته الجميلة الزرقاء، وكشف عن