للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذه البشلة في الحلوق جميعها، وأسرع يطلع أستاذه كوخ عليها

لاشك أن كوخ أخذ بيد لفلار أخذا وهو يكشف عن هذه البشلة. وكأني بك تسمع كوخ يقول له: (لا فائدة من النط إلى استنتاجات غير ناضجة، يجب عليك أول شيء أن تربيِّ هذا المكروب نقيا، ثم عليك بعد ذلك أن تحقنه في حيوانات، فإذا هي أصيبت بمرض يشبه دفتريا الإنسان تماما، إذن. . . .) كيف كان يضل لفلار وإلى جانبه هذا المتحذلق الشديد في حذلقته، هذا الحذر الغالي في حذره، طَلاّبُ الحقيقة وسيد قنّاص المكروب؟ كيف كان يضل لفلار وإلى جانبه هذا الداهية ينظر إليه ازورارا من نظارته التي ما كانت تفارق عينيه أبدا؟

وامتحن لفلار جثة طفل بعد أخرى، وفتش في كل جزء من أجزائها وهي طريحة تبعث الأسى في القلوب، وصبغ مائة سليخة مختلفة من كل عضو من أعضائها، ثم حاول أن يربيِّ هذه البشلات المخططة نقيّة، وأفلح في ذلك سريعا، ولكنه لم يجد هذه البشلات حيثما بحث في الأجساد إلا في الغشاء الذي بحلوقها، ودائما في هذه الحلوق، إلا طفل أو طفلين، كان يقع على هذه البشلات المنتفخة الأطراف، فتفكّر لفلار: (كيف تأتى لهذه المكروبات القلائل التي لا تحلّ من الجسم إلا في الحلق، كيف تأتىَّ لها وهي لا تفارق مكانها أن تقتل الطفل بمثل هذه السرعة؟ ولكن لعل الأولى بي أن أتبع ما قال السيد كوخ). وبدأ يحقن زريعاته من البشلات النقية في الأرانب في قصباتها الهوائية، وفي الخنازير الغينية تحت جلودها. وما أسرع ما ماتت هذه الحيوانات. ماتت في يومين أو ثلاثة كما يموت الطفل أو كانت أسبق إلى الموت. ثم أخذ يبحث عن المكروبات في أجسام هذه الحيوانات فلم يجدها إلا حيث دخلت الحقنة فحسب. . . . . . وأحيانا أعوزه وجودها حتى هنالك، إلا أن تكون وحدات منها قليلة ضعيفة لا تقوى على الإضرار ببرغوث صغير.

وتساءل لفلار: كيف أن قليلا من بشلات تحل من الجسم في ركن قصِيّ منه، كيف أنها في قلتها وعزلتها تستطيع أن تصرع هذا الجسم وهو في عظمه أكبر منها ملايين المرات

وكان لفلار باحثاً أميناً لا يفوقه في أمانته من البُحّاث أحد. وكان دقيقاً بطبعه فكانت تواتيه الدقة بغير عناء. وكان أقل الرجال حظا من الخيال الجامح فلم يتدخل شيء منه في نتائجه الدقيقة فيزينها - أم هو يفسدها - بالذي ليس منها. وجلس يوما إلى مكتبه وكتب رسالة

<<  <  ج:
ص:  >  >>