علمية تتضمن خلاصة بحثه، فكانت مقالة متواضعة، باردة، لا تؤمل قارئها في شيء، ولا تحمسه لأمر. كانت على نقيض ما يكتب المحامون. وجادل فيها أمر هذه البشلات، أهي سبب الدفتريا وجرثومتها أم هي غير ذلك. ذكر كل الحقائق التي قد تؤدي إلى أنها جرثومتها حقا، وذكر كل الحقائق التي قد تؤدي إلى نقيض ذلك. تشبث بالأمانة تشبثا كبيراً، وكتب كل ما قد ينفي أن تكون هذه البشلة سبب الداء: وكأني بك تسمعه إذ يحدث نفسه وهو يكتب فيقول: (قد تكون هذه المكروبة هي السبب، ولكني في عدد قليل من جثث الأطفال لم أستطع أن أجدها. . . والحيوانات التي حقنتها لم يصبها شلل كالذي يصيب الأطفال. . . والحقيقة التي هي أشد مناقضة لي هي أني وجدت نفس هذه المكروبة - وهي تقتل الأرنب والخنزير الغينيّ - في حلق طفل ليس عليه من أعراض الدفتريا شيء)
وغالى في أمانته فلم يقدر بحثه الجميل الذي أتاه حق قدره، ولكنه في أخر رسالته كتب فقرة أوحى فيها بحل المعضل وفك المشكل وإيضاح السبيل إلى سر هذا الداء، إيضاح السبيل إلى غيره لا إلى نفسه، إلى الفرنسي رو وإلى الألماني بارنج اللذين جاءا من بعده وكانا أشد منه خيالاً وأنفذ به في المشكلات المعضلات بصيرة. غريب أمر لفلار! عرف السبيل الذي يسلكه لبلوغ الغاية، ولكن بدل أن يتحرك هو ويقوم على قدميه فيسلكها، إذا به يدل غيره فيفوز سواه بالحمد دونه. قال لفلار:(إن هذه البشلة تبقى على رقعة قليلة لا تخرج عنها في غشاءٍ ميّت في حلق الطفل المريض. وتبقى كذلك في مساحة ضيقة لا تعدوها تحت جلد الخنزير الغيني بعد حقنه. فهي لا تتكاثر فتصير ملايين وتعم الجسم كما نتوقع ولكنها مع ذلك تقتل حيث هي من مكانها! فكيف يكون هذا؟ لابد أنها تصنع سّما يخرج عنها فيسير وحده في الجسم حتى يصل إلى موضع منه قتّال. فلابد من التفتيش عن هذا السمّ ولابد من وجوده. فتشوا عنه في جثث الأطفال، أو فتشوا عنه في أجسام الخنازير الغينية التي قتلها الداء. نعم. نعم. أو فتشوا عنه في الحساء الذي تنموا فيه البشلة وتربو. . . إن الرجل الذي يكشف عن هذا السم سيثبت ما عجزت أنا عن إثباته)
هذا هو الحلم الذي أرآه لفلار؛ هذه هي الرجية التي ارتجاها؛ هذا هو المفتاح الذي وضعه لفلار في كف رو، والذي فتح به رو ما استغلق على لفلار