للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

القانون العرفي يميزه الدور الهام الذي يقوم به الإقرار، فإنه لا سبيل إلى الرجوع فيه، ولهذا يصلح جيداً لأن يكون مبعثاً للنتائج القانونية المقصودة، كما يميزه دور العدول الأمناء الذين يثق بهم المتعاقدان يقومون بالتوسط بينهما في علاقتهما التعاقدية، وكما تميزه أيضاً كثرة استعمال الوثائق المكتوبة، فكل هذه الخصائص توجد مجتمعة في كتب (المواضعة)، وهي وثائق يكتبها المتعاقدان وليست لها قيمة قانونية مباشرة، لكنها تصلح لإثبات حقيقة الأمر فيما بين المتعاقدين من العلاقات التي لا يكشف عنها بل يسترها عادةً عدد من التصرفات والإقرارات الموضوعة؛ وتحفظ هذه الوثائق - أي كتب المواضعة - مع الوثائق الفقهية الحقيقية التي توضح وظيفتها عند عدل أمين يثق به المتعاقدان ويعمل هو بمقتضاها فيما بينهما ابتغاء معاملتهما بالعدل والإنصاف ومنع أي منهما عن أن ينتفع بتصرف أو إقرار منفرد لما فيه ضرر لمصلحة الآخر. وإليكم مثالاً قد يوضح كل هذا إيضاحاً تاماً: (قلت: رجل له على رجل مال، فوكل رجلاً أن يتقاضى هذا المال ويستخرجه على أن له نصفه أو ثلثه، هل يجوز هذا؟ قال: لا، وإن وكله على هذا الشرط فاقتضى المال كان له أجرة مثله لا يجاوز بها ما جعل له. . . قلت: فهل في هذا من حيلة؟ قال: نعم، الحيلة في ذلك أن يقر الذي باسمه المال لابن هذا الوكيل أو لرجل يختاره الوكيل بثلث المال بحق عرفه له ويوكله بقبضه. . . ثم يوكل الذي باسمه المال والمقر له بالثلث هذا الوكيل باستيفاء المال واستخلاصه فإن خرج المال كان للمقر له الثلث من ذلك. . . . قلت: فإن قال صاحب المال: أرأيت إن أقررت بثلث المال لمن يريد الوكيل فإذا وقعت الشهادة على ذلك لم يقم هذا الوكيل باستيفاء المال أو أحدث حدثاً تبطل به الوكالة فقد صار هذا الرجل شريكا لي في المال بثلثه، فما الحيلة؟ قال: يعدلون كتاب الإقرار على يدي من يثقون به ويكتبون مواضعة بينهم تكون على يدي العدل يعمل بما فيها ويحملهم عليها، فإن خرج هذا المال بتقاضي الوكيل وقيامه كان لهذا الرجل الثلث. . . وإن لم يخرج من المال شيء أو لم يقم بذلك أو أحدث حدثاً تبطل الوكالة به لم يكن للرجل المقر له بثلث المال شيء ورد العدل منهم الكتب على من يجب ردها عليه، ويحكون في المواضعة أمرهم كله ليعمل العدل بينهم بذلك)

والمصدر الثاني الرئيسي لمعرفة القانون العرفي في بلاد الإسلام هو الشروط والوثائق.

<<  <  ج:
ص:  >  >>