التي فرضتها الشريعة، وهكذا ذهب بعضهم إلى حد ذبح مجرم يستحق الموت وفاقاً لقواعد ذبح الضحايا. وأنظمة المحتسبٍ وناظر المظلم لا يراد بها إلا اجتياز الهوة التي تباعدت شقتها بين منطقة الشريعة ومنطقة الحياة القانونية العرفية، فلهذا ليست من الشريعة المحضة؛ ومنذ الزمن القديم كانت حاجة الشريعة محسوسة إلى أن يندمج فيها العرف القانوني وأن تتيح لمن يهمهم الأمرُ الوسائلَ لعقد تصرفات تقتضيها العادة مع مراعاة أحكام الشريعة الإلهية التي تجمع بين المخارج البسيطة والطرف الفقهية الأريبة. فبهذه الحيل يصل المرء من طريق تصرفات شرعية إلى نتائج تطابق الحاجات العملية، ولكن لا تسّلم بها قواعد الفقه رأساً، فهي من جهة الفقه مخارج ومواضعات، ومن جهة العرف جهود في جعل العرف مقبولاً موافقاً للشرع
وقد أنشأ الحنفية هذا الفن من الفقه وتعهدوه، ونجد أن أبا يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني على رأس سلسلة طويلة من الفقهاء قد ألفوا في الحيل؛ وقد انتهى إلينا كتاب محمد بن الحسن كاملا، (وهو المسمى بكتاب المخارج في الحيل الذي ذكرناه مراراً)، ويشتمل على مسائل عديدة نقلها صاحبه من كتاب أبي يوسف. أما المذاهب الأخرى فالحيل فيها أقل شأناً منها عند الحنفية، حتى أن الشافعي والبخاري الذي كان نفسه شافعياً وغيرهما قد حاربوا الحيل حرباً عواماً. ولم يمنع هذا أن المتأخرين من الشافعية قد أحسوا بالحاجة إلى تأليف كتب في الحيل على مثال كتب الحنفية وأن ينسبوا إلى الشافعي نفسه من المخارج العملية ما قد ورد في كتاب محمد بن الحسن الشيباني؛ وقد أفرد الحنبلي الكبير ابن قيم الجوزية للحيل بحثاً طويلاً، وبرغم مناهضته للمكر ومنعه للفرار من أحكام الشريعة وصل في بحثه إلى اعتبار كثير من تلك المخارج مشروعاً خاصة في دائرة التصرفات التجارية. وأشهر كتاب في هذا الباب هو كتاب الحيل والمخارج المنسوب خطأ إلى أبي بكر أحمد بن عمرو الخصاف الحنفي، فالواقع أن كتابه الحقيقي ليس إلا رواية لكتاب المخارج في الحيل للشيباني، وقد عنى الخصاف بأن يستبعد منها كل إشارة قد تدل على مؤلفه الأصلي؛ والكتاب الذي اشتهر به هو تأليف عظيم الشأن لمؤلف مجهول عاش في حوالي سنة أربعمائة، وهو مصدر فريد في بابه لمعرفة القانون العرفي الذي كان يعمل به في ذلك الزمن في العراق (كما نظن) يكشف لنا عن مستواه العالي واصطلاحاته الراقية، وهذا