يعاقب عليه بغرامات مختلفة القدر على حسب كونه متزوجاً أو غير متزوج (وتهمنا ملاحظة التعديل الذي أدخل بهذا على فكرة الإحصان في الشريعة) والأرقاء لا يدفعون إلا نصف المبلغ المفروض على الأحرار، والسكر أيضاً (وهو يقوم مقام الشرب في الشريعة) لا يعاقب عليه إلا بالتعزير؛ وهو يُترك في الشريعة لتقدير القاضي، وأما في هذه القانوننامه فالتعزير دائماً ضربات بعصا مقرونة بغرامة مالية، ويطبق نفس هذا التدبير على السرقة ولا يقام الحد إلا في سرقة الخيل؛ ويكون في هذه الحالة إما قطع اليد وإما غرامة باهضة جداً، ولابد من أن هذه الجريمة كانت تعتبر خطيرة بصفة خاصة؛ وجلي أن هذا القانون الجنائي يراد به أن يحل محل القسم المطابق له من الفقه تماماً لا إكماله فقط، لكنهم على كل حال يتحاشون أن يقولوا بهذا صراحة ويطلقون عبارات من قبيل (السياسة في مقابلة الجنايات) أو (بدل السياسة) على إبدال الحدود بالغرامات المالية؛ وقد اتخذت هذه القانوننامه أنموذجاً للقوانين العثمانية التي تعالج نفس الموضوع
وعلاقة أخرى بين الشريعة الإسلامية والتشريع المدني، تخالف كل ما تقدم مخالفة تامة، توجد في الدور الأخير من تاريخ الشرع وهو تطوره المعاصر، وحسبنا أن نذكركم بالتعديلات التي أدخلت منذ سنة ألف وتسعمائة وعشرين على الأحوال الشخصية في مصر؛ ولسنا نريد أن نبحث الآن عن تلك الظاهرة المهمة للحياة القانونية المصرية لأن الوقت الذي نملكه قد انتهى. وإنما نستشهد بها هنا كدليل على أن العلم الأوربي الذي يشتغل بتاريخ الفقه الإسلامي لا يتناول الأزمان الماضية فقط، بل يجهد في استيعاب الحياة الحاضرة أيضاً، وأن موضوعه الواسع ليس ميتاً جامداً بل لا يزال قوياً متطوراً. فإن كنت قد وُفقت إلى إطلاعكم على شيء من الروح العلمية الخالصة المهيمنة على دراستنا هذه فقد حققت بعض الغرض من هذه الأحاديث كل التحقيق