قام بعد ذلك الأستاذ لمبروزو الأخصائي في علم الإجرام بمباحثه وأتى بفكرة جديدة وهي الحكم على صفات الناس العقلية والنفسية من العلامات التشريحية فهو يقول بأن هناك وصمات وتشويهات معينة في الجسم يدل وجودها فيه على ميل فطري للإجرام، فمثلا كبر الرأس وشكله وعدم مساواة نصفيه وعرض الجبهة وضيقها والأنف العريض والمقلوب والمفرطح وسقف الحلق الضيق والمرتفع - ويكون عادة على شكل ٨ - والآذان عديمة الحلمة والمشوهة والكبيرة الحجم، كل هذه العلامات أو العاهات كما يقول الأستاذ لومبروزو هي علامات صحيحة للإجرام موجودة مع الطفل من يوم ولادته. وعلى ذلك فهو يرى أن الشذوذ في الخلقة يرجع إلى شذوذ في النفس والعقل. وقد نشرت ملاحظات هذا العالم وتجاربه هو ومساعدوه في أواخر القرن التاسع عشر، ولكن على توالي الزمن اقتنع العلماء بأن الحكم على العقل أو النفس بمجرد مشاهدة الخلقة حكم لا قيمة له بل يجب اختبار الصفات العقلية والنفسية باختبارات عقلية سيكولوجية
هدأت الأفكار بعد ذلك نوعا ما وتحولت عن نظرية لمبروزو وعلاقتها بالإجرام: هنالك نشط الباحثون واستنفذوا جهدهم في البحث فوصلوا إلى أن كبر حجم الجمجمة دليل على كبر حجم المخ، وكبر حجم المخ دليل على الذكاء والعكس، غير أنه فاتهم للأسف أن الذكاء لا يقدر بكبر حجم المخ ولا بصغره وإنما يقدر بسمك المادة السنجابية وكثرة تلافيف المخ الخ. وقد نشط الأستاذ بيرسون في بحث هذا الرأي فأجرى تجاربه على ٥٠٠ طالب من جامعة كولومبيا بأمريكا فوجد أن العلاقة بين حجم المخ والذكاء تكاد تكون معدومة
المرحلة الثانية
بعد ذلك ظهرت في أوروبا في القرن التاسع عشر ثلاث حركات علمية مهدت السبيل لظهور المقاييس العقلية وهي:
أولا: ظهور علم النفس التجريبي في ألمانيا على يد ويبر الذي اهتم بدراسة الاحساسات وحاول أن يطبق عليها روح القرن التاسع عشر وهي الروح العلمية التجريبية، وتبعه عالم ألماني اسمه فخنر ثم تبعهما سلسلة علماء حتى جاء وند وأنشأ أول معمل لعلم النفس في ليبزج سنة ١٨٧٩، وكان متجهاً لدراسة الاحساسات لوجود فلسفة الترابط في إنجلترا في ذلك الوقت، وفلسفة الترابط هذه تقول إن أصل كل حياة فكرية هي الاحساسات، وإذن