للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

العقلية العليا، فكان لهذا المقال أثر كبير نقل مقاييس الذكاء من نظريات إلى معامل، وأبطل استعمال الأجهزة النحاسية التي كانت تستعمل، ومن ذلك الحين تدفقت الاختبارات العقلية التي قام بها فريق كبير من العلماء، على أننا لا يمكننا نتبع كل هذه الاختبارات وإنما نتكلم على أهمها وهو اختبار بينيه

ولد الفرد بينيه بمدينة نيس من أعمال فرنسا سنة ١٨٥٧ وحصل على إجازة الحقوق سنة ١٨٧٨ ثم عكف على دراسة الطب وتتلمذ للعالمين المشهورين وقتئذ فيريه وشاركوه ولاسيما الثاني منهما فقد بث فيه روح الاهتمام بدراسة نفسيات الشواذ من الناس. ثم تعاون بينيه مع آخرين على إنشاء معمل للأبحاث النفسية في السربون ثم أصبح هو مديراً لهذا المعمل وكان أحد أعضاء اللجنة التي شكلتها وزارة المعارف الفرنسية لاختيار ضعاف العقول فخطر له أن يدعم عمله في هذه اللجنة ببحث قيم يتخذ أساساً وعوناً لبقية البحوث في المستقبل؛ وبدأ عمله بالبحث في ماهية ضعف العقل، ومن هو ضعيف العقل من الأولاد الذي يحتاج إلى تعليم خاص، وقد خصص جهوده كلها ومواهبه العلمية لإنجاز هذا العمل وعكف عليه زمناً لا يقل عن سبع سنوات وفق فيها إلى غرضه وأخرج مقياساً علمياً عملياً حقاً، وظهرت له سلسلة أبحاث في المقاييس العقلية. وقد رأى أن الانتباه الإرادي والذكاء مرتبطان لدرجة أنه يمكن اتخاذ مقاييس الانتباه دليلا على الذكاء فوضع اختبارات عديدة منها زمن الرجع وإعادة بعض أعداد والسرعة في عدد دقات الكرنومتر.

وقام عالم ألماني آخر اسمه ايبنجوس سنة ١٨٩٧ وعمل اختباراً سماء طريقة ويسمى الآن طريقة التكميل فدلت الاختبارات التكميلية على أنها من أحسن الاختبارات للذكاء، والأساس الذي بني عليه هو اعتقاده أن الذكاء لا يتجلى في إدراك المؤثرات متفرقة وإنما يتجلى في ضم المؤثرات بعضها إلى بعض لتركيب وحدة كلية، ففي الجملة الواحدة مثلا لا يتجلى الذكاء في فهم كل كلمة على حدة بل في فهم الجملة كلها وهي فكرة وجيهة جداً، وقد استمر البحث حتى سنة ١٩٠٥ حين ظهر أول مقياس كامل للذكاء من عمل بينيه ومساعده سيمون ثم عدلاه في سنة ١٩٠٨ وفي سنة ١٩١١ وترجم مقياس سنة ١٩٠٨ إلى لغات عدة فأحدث أثراً كبيراً في العالم وجرب في بلاد كثيرة وقد سخر بعض الناس من مقياس بينيه وقالوا إنه ليس له فائدة عملية، ولكن أكثر العلماء رأوا فائدته وكان بينيه

<<  <  ج:
ص:  >  >>