نهضة المرأة عندنا قد قامت على تعليمها فأحرِ بنا أن نستغل هذا التعليم لتمهيد سبل السعادة لأزواجنا ومعاونتهم على العيش، ثم تدبير بيوتنا وتثقيف أولادنا ثقافة أخلاقية وعلمية ووطنية ليشبوا رجالا بكل ما في هذه الكلمة من معنى سام جليل؛ ومتى تركزت حياتنا الاجتماعية على هذه الأسس الوطيدة صلحت حياتنا العامة وأعددنا للوطن أشبالا تغذوا بلبان الوطنية واهتدوا بهدي العلم إلى سواء السبيل
صدقوني أنّا لسنا بحاجة إلى المرأة المثقفة العالية بقدر حاجتنا إلى الأم الصالحة أو (المدرسة الأولى) كما نعتها الكتّاب والشعراء قديما، وهاهي تي البلاد تئن من أقصاها إلى أقصاها من كابوس البطالة الذي يجثم على أنفاسها ويزداد هولاً يوماً بعد يوم باطراد زيادة عدد المتعلمين الذين تلفظهم المدارس كل عام لمواجهة الحياة العملية حتى ضاقت بهم سبلها وغصت بهم على رحبها، وهذا الجيش الجرار من شباب الأمة المتعلم العاطل أولى منا نحن معشر النساء المثقفات بالعمل، فبماذا يمكن إذاً استثمار نهضة المرأة المصرية للخير العام؟؟
ليس هناك سوى رد واحد على هذا السؤال، هو ما قلته، وهو أن خير طريقة لهذا الاستثمار هو الاستثمار الاجتماعي المعنوي الذي ذكرت لا الاستثمار المادي كما يمكن أن يفهم من كلمة (الاستثمار) وذلك لأن هذا الاستثمار المادي الأخير نحن في غنى عنه بما لدينا من أيد عاطلة عديدة أحق بالتشغيل من جهة، وعدا ذلك فإن استثمار نهضة المرأة المصرية اجتماعيا يركز حياتنا العامة ويسيرها في طريق التطور المرجو غير بطيئة ولا وجلة
ويبدو لنا من أخبار الغرب التي يحملها إلينا البريد الأوربي الأخير من أن العالم قد بدأ يحس مدى خطئه في قصر تعليم المرأة على ثقافتها فحسب دون العناية بالغرض الأساسي الذي خلقت له؛ فهذي الآن فرنسا تحارب فكرة إعطاء الحقوق السياسية للنساء ومساواتهن بالرجال؛ وها نحن أولاء نرى ألمانيا وإيطاليا تضمان في جملة أنظمتها الجديدة أن تعود المرأة إلى سالف عصرها من التزام البيوت والقيام على تربية الأطفال، ومنعهن ما أمكن من تعاطي أعمال الرجال. وقد قرأنا للأستاذ محمد كرد علي ملخصاً لكتاب ظهر أخيراً في فرنسا حول هذا الصدد للدكتور روبرتوش بدأه بكلام لثلاثة من مشاهير الكتاب أحدهم