أما بيراندللو فهو يقسم الشخصية في فنه الروائي إلى عشرة أو مائة أو ألف أو أكثر. فالفرد عنده مكون من شخصيات متناقضة كالحيوان الخرافي الذي تتحدث عنه أساطير الإغريق. وهو لا يعرف الأخلاق والعادات ولا يقدر الإرادة أو الشهوة المتغلبة لأن جميع مشاعره قابلة للتحول والتغير والتأثر
على أن أهم ما يرتكز عليه فنه ظواهر التحليلات النفسية وتعدد المنازعات. فكل شيء نظره مرجعه إلى التفسير، بل قد يجوز أن يتخذ شخص ما صورة معينة في نظر أحد محللي نفس الشخصية. وقد قال بيراندللو بلسان إحدى بطلاته في روايته (شهوة الشرف): (لا شك أن مدام أنيتا هي امرأة أخرى، وليس هذا كل ما أقوله، بل هي أخرى وأخرى وأخرى أيضاً، بعدد الأشخاص الذين تعرفهم والذين يعرفونها)
وفي عام ١٩٢٢ ترك بيراندللو منصبه في الجامعة ليتفرغ للأدب والمسرح فوضع روايات: حصان في القمر، ومهزلة الموت والفخ، وأنت تضحك، وزوجها، وهنري الرابع. وسافر برفقة فرقة تمثيلية ألفها إلى عواصم أوربا ومدنها، وبمرور الزمن تراكمت عليه الأعمال بسبب إخراج رواياته على مسارح باريس وبرلين ولندن ونيويورك وبونس إيرس وموسكو، وكان لابد من أن يسافر إلى جميع هذه العواصم ليشرف بنفسه على إخراج رواياته
يقول ادريانو تلجر في كتاب نشره عن فن بيراندللو المسرحي أنه لم يتأثر في فنه بالمؤثرات اللاتينية بل يدل أدبه على أنه تأثر بأدب الشمال). وليس ذلك بغريب من كتاب الجنوب واللاتين، والكثيرون منهم أمثال داننزيو وجوزيف جيا كونرا قد تأثروا إلى مدى بعيد بأدب ابسن وطريقته في تحليل المشكلات الاجتماعية. والواقع أن ابسن سبق أن أقام فترة طويلة في إيطاليا وكان له الفضل الأكبر في تكوين مدرسة روائية مسرحية تمت إلى فنه بأقوى الصلات
أضف إلى ذلك أن بيراندللو برع في رسم مآسي الحياة وفواجع المجتمع براعة قلما أتيحت لكاتب يعاصره. وهو يتلاعب بألفاظه تلاعبا يخلع عليها وعلى أسلوبه مسحة تتفق ونظرياته الفلسفية في الإنسان والروح. وليست دراماته سوى سرد ماضيه وتصوير نفسيته، فهو من هذه الناحية لا ينحت الخيال ولا يتكلف التصوير، ولكنه ممن يروحون عن