للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أي شاعر جسَّد امرأة جميلة فصورها للذين لم يروها؟ أي قلم حكى المحاسن الطبيعية على وجهها؟ إن الذي يلهمنا أحسن ما نشعر ونكتب هو الطبيعة، وهذا الشعر يشبه الصورة التي تتراءى في الماء لا بد لها من مصدر خارجه.

بعض أكابر الأدباء يدعون أن مزايا الشاعر تتولد من نفسه وليس هذا رأيي. إن محاسني (إن كانت) هي للجبال والمروج والوجوه الجميلة والأزهار. وأما سيئاتي فهي لي. أقول قبل أن أختم:

ان المصيبة التي اخبرني بها (المقبر) قلبت شعري كما قلبت كل شيء في. فهل صعدت صدمة هذا الانقلاب بفكري أو هبطت به؟ يعرف ذلك إخواني.

انظروا كيف عجزت عن كتابة كلمات حتى في المقدمة؟

الانقلاب الذي ذكرت هو قيامي في نقطة أو في فضاء غير محدود حيث تصطدم السماء والقبر. بقى قلبي طويلا بين هاتين القوتين الهائلتين، كلما اقتربتا شعرت بالعزاء وكلما ابتعدتا غمرني اليأس.

ثم اتحدتا فتحطمت فظهر (المقبر). فهل هذا شعر؟ محال. كان يجب أن يتحد القبر والسماء أو بعبارة أصدق أن يبقيا مفترقين، وكان يجب أن أنوح في الافتراق والاستغراق فيكون هذا شعرا.

أنا لا استحسن معظم ما كتبت قبل (المقبر) وبعضه يعجبني قليلا، وأما المقبر فلا يعجبني قط، ولكني أحبه كل الحب. لا يعجبني لأن صلة هذا الكتاب بالأدب واهية، وأحبه لأنه (هي).

لعل (المقبر) يشبه الشعر عند من يرون الخليقة كلها شعراً، وهو عندي يذكرني بشاعرة، شاعرة كانت شعر القدرة الصانعة كل ما في (القبر) على نقصه وحشوه. روحانية متوفاة، ومعنوية روح.

(المقبر) حالها وصورتها وخيالها وهيكلها وقبرها وحياتها التي ذهب الدهر بمحاسنها. ثم أكرر فأقول: (المقبر) (هي) ومن أجل ذلك أحببته.

ولكن (المقبر) في نظر الأدب طفل دميم: طاهر، ولكنه ليس جميلا، وفيلسوف حقير: حكمة ولكنها ذات ريب، وحسن معيب: صيحة ولكن ذات صناعة، وقير مشيد: ليس حزينا ولكنه

<<  <  ج:
ص:  >  >>