للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من شاعريتي. يجد القارئ فيه لغتين لا تشبه إحداهما الأخرى، حتى يحسب أنه قد تعاقب على (المقبر) كاتبان. بل يبعد بعضه مني حتى أعيا أنا بفهمه.

فأما حديثي فيه عن الماضي (وهو أكثر مواضعه خرابا على أنه أحبها إليّ) فيبكي من يعدونني شاعرا، ويزيد صدق من لا يعدونني من الشعراء. وبعض مواضعه ليس من شعري، بل هو أشبه بقبر فتاة في ميعة الصبا.

أول هذين من النقائص الأدبية، والثاني من النقائص الإنسانية. وما يرجع الى تصوير الفضائل ناقص أي نقصان.

وبعض نواحيه لا يستطيع أن يمكث في الأرض لأنه صيحات. (المقبر) في جملته يراه كثير من الناس أثرا باردا، ولكنها البرودة التي تحرق قلبي.

لابد لعالم الأدب من آخرة، والمقبر من هذه الآخرة علامة، (المقبر) قبر حياتنا الأدبية، والمقبر زوالي.

(المقبر) يبين عن فكر واحد بأساليب شتى، ألفاظه عند الخاصة لا شيء، ولكن هيكله قبر ميت عزيز فهو عندي شيء. (المقبر) خفيف في جانب ثقل المصيبة التي أصابتني، فارغ في جانب عمقها، عدم في جانب شعرها، ولكنه بالقياس اليّ شيء. ينبغي أن يكون (المقبر) ضريحاً لا قبرا، معبداً لا ضريحا، كوكبا لا معبدا، فضاء لا ينتهي لا كوكبا. ولكنه وا أسفاه، لم يبلغ أن يكون قبرا.

(المقبر) ينبغي أن يكون منبرا ينزل إليه نور إلهي، ولا يستطيع أن يصعد إليه الفكر الإنساني، يجب أن يكون (المقبر) محشرا. هيهات! لا أقول يجب ألا أظهر فكري بل يجب أن يكون مما لا يمكن ظهوره. (المقبر) يئن أبدا. وان دل هذا الأنين الأبدي على العمق فوا حسرتاه أنه لا يعدو أن يكون قبرا. إن معنى هذا (المقبر) ظواهر المقابر.

ذكرت النقائص الأدبية والنقائص الإنسانية. نعم ماذا عسى أن افعل؟ ماذا أفعل لتصحيح الخطأ وأكبر الخطأ صادر من المصحح.

إن الأبيات يجب أن تصنع للوقائع الجليلة، والأفكار الجميلة، كما تبنى الهياكل للأسماء الكبيرة، وبأسماء الوجوه الجميلة. والقبر هيكل بناه الله فكيف نستطيع نحن أن نصور ونجسِّم؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>