أنواع النبات دليلا على القدرة الإلهية. وهكذا بينا في العلم تمد الطبيعة رباطا بينها وبين العقل، تمد الحكمة رباطين أولهما وأولاهما بينها وبين القلب، وثانيهما بينها وبين العقل
ومن أجل هذا عني القرآن بمظاهر الاختلاف بين القوانين الطبيعية أكثر مما عني بتقرير القوانين الطبيعية الجزئية، فهو يلفت النظر إلى الإنسان، كان نطفة ثم علقة ثم مضغة، ثم كان من المضغة عظام، ثم كسا العظام لحما، ثم كان ذلك إنسان
ولفت النظر إلى اختلاف الليل والنهار، وتعاقب الشمس والقمر، واسترعى النظر إلى السحاب يسير بإذن الله، ثم يمطر ماء فتكون منه زروع وجنات يأكل منها الإنسان والأنعام، وإلى الإنسان واختلاف ألوانه واختلاف ألسنته، وإلى حركة الماء في البحار والأنهار وتلاقيهما. وهكذا عُني القرآن بهذه المناظر المتغيرة، وبهذه الحركة الدائمة لأنها أمس بالشعور وأقرب إلى الحكمة وأدل على المحرك والخالق والمدبر، فكانت بذلك مبعث إيمان صادق حار لا يفتر
وقد غفل علماء الكلام من المسلمين عن الفرق بين العلم والحكمة، وبين الفلسفة والدين. وبين منهج القرآن ومنهج اليونان، فحولوا - وعلى رأسهم المعتزلة - الدين من القلب إلى العقل البحت، وألفوا العقائد في شكل قضايا منطقية، فتحجر الدين، وانقلب جسما جامدا لا روح فيه، فخمدت حرارته، وضعفت شعلته، وقل نوره وضياؤه
بهذه العقيدة التي ألممنا بها نقل الإسلام العرب من أفق خرافي ضيق كسم الخياط ينحصر في تقديس الحجر والرجوع إليه في أهم الأحداث، إلى أفق فسيح لا حد لسعته، يطالع فيه جميع المخلوقات في الأرض والسماء، ويسبح بعقله وشعوره فيها، ويمتزج بها، بل هو لا يقف عند ذلك، ويتعداه إلى إله مجرد عن المادة، ومنزه عن شبه المادة، يحكم العالم ويسيطر عليه، وينظمه ويسيره، وهو وحده لا شريك له رب العالمين
وضع الإسلام في يد العرب الذين كانوا يدينون بالأصنام معاول يكسرون بها الأصنام، وهم إذ كانوا يكسرونها حسياً كانوا يعلنون بعلمهم أنهم تحرروا من رق الخرافة، وسموا عن تقديس حجر، وارتفعوا بتفكيرهم وشعورهم إلى ما فوق المادة، واتصلوا بإله الكون يستمدون منه القوة، ونظروا من طيارة إلى من حولهم من الناس يرثون لحالهم، إذ رأوهم بائسين، كما كانوا هم بالأمس، من فرس مجوس يعبدون ناراً، وما النار إلا مخلوق ضعيف