ويعدل في إدارتها وشؤونها الاجتماعية تعديلاً لا يستطيعه العالم الماهر الذي تنتجه، حتى حضارة اليوم. فهو يغير من نظام الضرائب، وتوزيع الأراضي، وتدوين الدواوين، ويستطيع وهو في مكة أن يرسم خطة السير لحكومة تسوس العراق ومدن الفرس، كما تسوس الشام ومدن الروم! إنها إحدى العجائب الكبرى أن يصل بدوي إلى ذلك، وعهدنا بالبدوي الهمجي يخرب ولا يعمر، وإذا غزا وانتصر فكل مطمعه في الغنيمة. فما بال عمر وأمثال عمر يدخل التحسينات على الحضارة، ويقترح فيما يزيد العمران، ويبث في الحضارة القديمة روح العدل والإحسان؟ لا شيء غير العقيدة الإسلامية محصت نفسه، وطهرت قلبه، وجعلت نظره ينفذ إلى بواطن الأمور، يعدل على الذين لا يرون إلا الظواهر، ولا يهمهم إلا بهرجة الدنيا، والزخرف الظاهري
فإن نحن عددنا العقيدة الإسلامية - بالشرح القليل الذي شرحنا - أثمن ما قدمه الإسلام إلى المدينة لم نكن مبالغين
هذه العقيدة لا تقر بعظمة إلا عظمة الله، ولا تقر بتقديس ملك ولا بامتياز لرجال دين، ولا تعترف بوساطة أحد بين الإنسان وربه، ولا بأي نوع من أنواع الأرستقراطية: لا أرستقراطية المال ولا أرستقراطية العلم ولا أرستقراطية رجال الدين. كل الناس سواء. الناس من تراب وإلى التراب يعودون. ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى. وخير الناس أنفعهم للناس