عمه علي بن أبي طالب آمن به. قال عفيف: فليتني كنت آمنت يومئذ، فكنت أكون ثالثاً.)
ولم يزداد إيمان خديجة مع الزمن إلا رسوخاً، ولا يقينها إلا قوة، ولا تعلقها بزوجها إلا شدة، فكانت في السنوات العشر الأولى للبعثة، وهي السنوات التي توالت فيها الأرزاء والمحن على محمد وأصحابه، واضطهدت فيها الدعوة أيما اضطهاد، كانت خديجة في تلك السنوات إلى جانب زوجها تريش بتأييدها جناحه، وتأسو بعطفها جراحه، روى ابن الأثير بإسناده فقال:(وكانت خديجة أول من آمن بالله ورسوله، وصدق بما جاء به، فخفف الله بذلك عن رسوله، لا يسمع شيئاً يكرهه من رد عليه وتكذيب له فيحزنه إلا فرج الله عنه بها، إذا رجع إليها تثبته، وتخفف عنه وتصدقه، وتهون عليه أمر الناس)
ولم تتردد خديجة عندما جد الجد، أن تشرك زوجها في محنته، وتقاسمه مر العيش كما قاسمته حلوه، وتعمل لنصرة دعوته، صابرة محتسبة. فعندما اشتدت قريش على بني هاشم والمطلب وحصرتهم في الشعب ومنعتهم حتى الماء والزاد، كانت خديجة في الشعب تقاسي ما يقاسيه زوجها وأقرباؤه على كبر سنها واضمحلال بنيتها. فلما فاءت قريش إلى صوابها وخلت سبيل أولئك المجاهدين المجهودين، كان طول الحصار قد أضر بخديجة واخترم المرض جثمانها فلم تعش إلا قليلاً، وقضت لعشر خلون من رمضان من العام العاشر للبعثة، بالغة من العمر خمسة وستين عاماً، وقد دفنها الرسول بالحجون، وسوى عليها التراب بعد أن نزل قبرها وألقى عليها النظرة الأخيرة
وقضى الله أن يفقد الرسول بعد خديجة وفي نفس العام عمه أبا طالب، وهو الذي كان ينافح دونه ويتولى حمايته من عدوان أعدائه. فاجتمع على محمد في وقت واحد خطبان فادحان، ورزآن بالغان، ولكن لاشك في أن داخل رزئيه كان الأفدح، وباطن جرحيه كان الأدمى؛ لقد تهدم صرح سعادته المنزلية، وغدت الحياة مشغلة له في الداخل والخارج، على كثرة ما أعطاه الله في الداخل والخارج
كان محمد أكبر من أن ينسى لمحسن إحسانه، وأكرم من ألا يفي لحبيب صدقه الحب، وأصفاه الود ولو باعدت بينه وبينه أطباق الثرى، وكذلك كان شأنه مع خديجة بنت خويلد، لقد وفى لها في حالي الحياة والموت، أحبها ولم يتزوج عليها في حياتها، فلما لحقت بربها لم تبرح صورتها خاطره، ولا فارق تذكرها لسانه، وهم يروون في ثنائه عليها ودوام تذكره