مولاة صفية بنت عبد المطلب تقبل خديجة في ولادها، وكانت تعق عن كل غلام بشاتين، وعن الجارية بشاة، وكان بين كل ولدين لها سنة، وكانت تسترضع لهم، وتعد ذلك قبل ولادها)، وكما كانت خديجة تعنى بولادة أولادها، ورضاعتهم، وتنشئتهم، فقد كانت تتخير الأزواج لبناتها، فهي التي أشارت على النبي بأن يزوج أبو العاص بن الربيع من بنتها زينب؛ فلما زفت إليه أهدتها خديجة قلادة كان لها شأن بعد سيرد ذكره. ثم إن كل من أصهر إلى محمد سعد بزواجه، فأبو العاص بن الربيع أبى أن يفارق زينب عندما أرادت قريش حمله على طلاقها نكاية في محمد مع أن سعداً لم يكن قد أسلم بعد، وقد تزوج عثمان بن عفان رقية، فلما توفيت ورآه النبي حزيناً مهموماً لهفان زوجه أختها أم كلثوم، وكانت فاطمة عند زوجها علي بن أبي طالب بالمحل الرفيع، والمكان الممتاز
لكن فضل خديجة الأكبر، وفخرها الخالد خلود الزمن؛ إنما هو في موقفها من زوجها عندما نبئ، ومن الدعوة الإسلامية التي أخذ يدعو إليها، بعد خمس عشرة سنة من زواجه منها
لقد أصبح محمد بعد تزوجه من خديجة هادئ السرب، ناعم البال، وأصبح له منزل وأهل يسكن إليهما فانصرف إلى ما كانت تصبو إليه نفسه من الخلوة وإطالة الفكر، فكانت خديجة تعينه على ذلك دون أن ترى في مسلكه بأساً. فلما فجئ الوحي محمداً، وأصابه أول الأمر من الذهول والحيرة، ورجع إلى منزله رعباً حائراً وقال لها:(لقد خشيت أن يكون بي جنن!) لم يكن منها إلا أن تثبت فؤاده، وسكنت خاطره بمقالتها المشهورة (والله لا يخزيك الله أبداً، أنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. الخ) ثم إنها انطلقت من فورها إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وقصت عليه خبر زوجها، فبشرها ورقة بأن الذي رآه محمد إنما هو الناموس الأكبر الذي نزل على عيسى وموسى، وقد أثلجت تلك المقالة فؤادها وغدت من ذلك الوقت مؤمنة بدعوة زوجها، فكان بذلك أول من صدقه وآمن به، روى الطبري بإسناده إلى عفيف الكندي أنه قال: (كنت امرأ تاجراً، فقدمت أيام الحج، فأتيت العباس، فبينا نحن عنده إذ خرج رجل يصلي؛ فقام تجاه الكعبة، ثم خرجت امرأة فقامت معه تصلي، وخرج غلام فقام يصلي معه. فقلت: يا عباس ما هذا الدين؟ قال: هذا محمد بن عبد الله يزعم أن الله أرسله به، وأن كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه، وهذه امرأته خديجة بنت خويلد آمنت به، وهذا الغلام ابن