نفسه وطلبة قلبه، وعرض محمد الأمر على عمومته كما عرضته خديجة عمها، فكل وافق، وبنى محمد بها بعد أن أصدقها عشرين بكرة كما يروون
كان هذا الزواج لمحمد وخديجة فاتحة حياة زوجية هادئة وادعة هنيئة، كأهدأ ما تكون حياة زوجية وأروعها وأهنئها ولم لا تكون كذلك؟ وكانت تقوم على الكثير المتبادل من الحب والإخلاص والتقدير. كانت خديجة تقدر في محمد كرم الخلق ورقة القلب، وروحانية النفس، وكان هو يقدر فيها رجاحة العقل وكثرة العطف عليه، والإعجاب به، والتوفير لأسباب راحته في منزله، ومطابقته فيما يحب وما لا يحب، ولا تنس أن محمداً لم يكن كسائر الرجال يعيش كيفما اتفق، فهو رجل كثير العناية بأمر نفسه، ليس كل الطعام يطعم، ولا كل الشراب يشرب، ولا كل الملبس يلبس، ولا بكل الزينة يزدان، ثم هو ميال بطبعه إلى العزلة، مؤثر للصمت، مطيل للفكر، فعلى جليسه وعشيره أن يعرف فيه كل ذلك ويرعاه له، وقد عرفت خديجة ذلك ورعته له أتم رعاية؛ فلاشك أنها كانت تعد له ما يستطيبه من الدباء والعسل، والتمر المنقوع في اللبن أو المخلوط بالقثاء أحياناً، ولاشك أنها كانت تقل في طعامه من البصل والثوم اللذين كانت تعاف كثرتهما نفسه، كما كانت تعنى بنظافة ثيابه وأدوات طيبه وأدهانه، فقد كان محمد يحب أن يبرز للناس عطر الجسم، نظيف الملبس، ولاشك أنها كانت توفر له الهدوء في المنزل، وإذا جنح إلى الخلوة أو التحنث في الغار لم تقطع عليه سكونه؛ بل أعانته على ذلك بإعداد الزاد الذي يحتاج إليه، فإذا طالت غيبته افتقدته في غير إزعاج له، ولا تكدير لصفو نفسه
وكما كانت خديجة مثال الزوجة الحفية بزوجها، فإنها كانت مثال الأم المعنية بأولادها. لقد رزق محمد منها كل أولاده غير إبراهيم. رزق منها القاسم وبه كان يكنى، ثم ولدت له زينب ورقية، وفاطمة وأم كلثوم، وكل هؤلاء ولدوا قبل النبوة، ثم ولد له في الإسلام عبد الله الذي عرف بالطيب والطاهر، وقد مات الغلامان صغيرين، أما البنات فكلهن أدركن الأسلم وتزوجن وهاجرن، وقد انضم إلى هؤلاء علي بن أبي طالب، ضمه النبي إلى أولاده تخفيفاً عن عمه أبي طالب الذي كان فقيراً كثير العيال، وليس بأيدينا مع الأسف نصوص نعرف منها كيف كانت خديجة تعول أولادها وتنشئهم؛ غير أن ما ورد من الأخبار على قلته لا يخلو من الفائدة فيما نحن بصدده. روى ابن سعد عن الواقدي قال: (وكانت سلمى