أترى المائج، واللج الهائج؟ أترى السفن على الثبج راجفة، والجموع فوقها واجفة؟ أترى الموج يتلاطم، والسفين يتصادم، والجيوش ملتحمة، والخناجر والسيف مختصمة؟ أترى جنداً يلوذون من حر الضراب إلى برد الماء، ومن ذل الإسار إلى عار الفرار، وجنداً ثبته اليقين فثبت، وآثر الموت على العار فظفر؟
واعجبا! قد أصبح فرسان الصحراء أبطال الدأماء، وصار حداة الإبل أمراء السفن، جاوزوا الكثبان البيض إلى اللجج الخضر، فاتخذوا السفين جياداً والبحر مراداً. وهل الإبل إلا سفن الصحراء، وهل السفن إلا أفراس الماء؟ فما استبدل هؤلاء إلا سفينة بسفينة وفرساً بفرس
وإنها، على ذلك، لإحدى العبر: أبناء البادية ينازلون الروم في الأساطيل. معاوية وابن أبي سرح يقاتلان قسطنطين ابن هرقل، وقد جاءهم في ستمائة سفينة تحمل جند الروم وتاريخ الروم، وثارات الروم. وأعجب العجب أن يغلب الأسطول الرضيع الأسطول المكتهل، أن يغلب ابن أبي سفيان ابن هرقل، أن يغلب العرب الروم في بحر الروم
- ٣ -
ما جزيرة العرب، وفارس، والشام ومصر، وما الهند والصين، والمشرق والمغرب في همة هذه الشمس الوهاجة، وعزيمة تلك الكواكب السيارة. قد استقر سلطان القوم في مصر فلم يقنعوا، وهاهم قد غزوا برقة ورجعوا. أتحسب الأمد تطاول عليهم، والشقة بعدت بهم فملوا أو خاروا؟ تلبث قليلاً ثم انظر جيش العبادلة يزحف إلى إفريقية فيظفر ثم يصالح. وما وراء الحرب والسلم إلا المسير لإعلاء كلمة الله، وبلوغ الغاية مما أرادوا في سبيل الله
ويقف القوم سنين. وما هو إلا الجمام للسير، والتحفز للوثوب، والإعداد للجهاد، والتريث للتثبت. وعما قليل يطوون المغرب لا تعوقهم الفيافي المترامية، ولا تصدهم الجيوش الجرارة. تنظر الغد. فما بلغ القوم الأمل الموعود، ولا قاربوا الغاية المقدورة
- ٤ -
عشرة آلاف تطوي الأوطان والقطان في سبيلها، وتطأ الأهوال والأبطال إلى غايتها! عشرة آلاف وفي الناس واحد كألف