للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عشرة آلاف قائدهم عقبة بن نافع قد عزموا ألا ينثنوا، وصمموا ألا يهزموا، وآلوا ألا يرجعوا ما اتسع الفتح لعزائمهم، وامتدت الأرض لأقدامهم

هاهو ذا عقبة يبني مدينة القيروان، فعل الغازي المعمر والفاتح المقيم. وسيجعلها مبدأ السير وأول الفتح، كأنهم ما قطعوا المهامة إليها، ولا ساروا عن ديارهم قبلها

في كل فج عزمهم سيار

إلى الوغى تهافتوا وطاروا

جماعة ليس لهم ديار

إلا ظهور الخيل والغبار

أرض الله، وعباد الله: أينما توجهوا فهي أرضهم، وحيثما حلوا فهي ديارهم. لا بعد عندهم ولا قرب، ولا شرق ولا غرب. (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثمَّ وجه الله)

ولكن عشرات آلاف من الروم والأفريق قد ساروا إليهم. لقد أعد الروم لهم، وأزمعوا أن يحطموهم. فوا رحمتاه للأنجاد القليلين، والغرباء النازحين!

كلا لا خوف ولا حزن، ولا قلة ولا كثرة. انظرهم يديرونها على عدوهم حرباً طاحنة، ويلجئون الروم وأعوانهم من لظى النار إلى سلاسل الإسار - ألوف من الروم مصفدون

أترى الكثرة أغنت، أم ترى القلة قلت؟ ذلك آخر عهد الروم بإفريقية

- ٥ -

أين الجنود البواسل، والعبَّاد الغزاة، والبداة الذين خرجوا ينشدون الحق ويردون الجبارين إلى العدل؟ أنهم ليسوا في برقة ولا إفريقية. . . . هاهم في أقصى المغرب! هم اليوم في طنجة! بل هم في إيسوس. لقد انتهوا إلى الساحل، لقد انتهت الأرض وا أسفاه للجواد المتمطر لا يجد مجالاً، والعزم المحضِر لا يجد مضطرباً. قد بلغوا البحر فكيف المسير؟ وفتحوا ما بين المدينة المنورة، وبحر الظلمات فأنى الفتح؟

انظر عقبة تضيق بعزمه الأرض، وتصغر في عينه الأقطار، فيدفع جواده في البحر ويصيح:

(والله لو علمت وراءه أرضاً لسرت غازياً في سبيل الله)

(بغداد)

<<  <  ج:
ص:  >  >>