أي رجل شعبي على الأرض كمحمد صلى الله عليه وسلم فيه الأمة كلها غريزةُ الأب، وفيه على كل أحواله اليقينُ الذي لا يتحول، وفيه الطبيعةُ التامة التي يكون بها الحقيقيُّ هو الحقيقي
يا بنت النبي العظيم! إن زينةً بدرهمين ونصف لا تكون زينة في رأي الحق إذا أمكن أن تكون صدقةً بدرهمين ونصف. إن فيها حينئذ معنى غير معناها؛ فيها حقُّ النفس غالباً على حق الجماعة؛ وفيها الإيمان بالمنفعة حاكماً على الإيمان بالخير؛ وفيها ما ليس بضروري قد جار على ما هو الضروري؛ وفيها خطأ من الكمال إن صح في حساب الحلال والحرام لم يصح في حساب الثواب والرحمة
تعالوا أيها الاشتراكيون فاعرفوا نبيكم الأعظم. إن مذهبكم ما لم تُحيه فضائل الإسلام وشرائعه، إن مذهبكم لكالشجرة الذابلة تعلقون عليها الأثمار تشدونها بالخيط. . . كل يوم تحلون وكل يوم تربطون ولا ثمرة في الطبيعة
ليست قصة التخيير هذه مسئلةً من مسائل الغنى والفقر في معاني المادة، ولكنها مسئلة من مسائل الكمال والنقص في معاني الروح؛ فهي صريحة في أن النبي صلى الله عليه وسلم أستاذ الإنسانية كلها، واجبه أن يكون فضيلة حية في كل حياة، وأن يكون عزاء في كل فقر، وأن يكون تهذيباً في كل غنى، ومن ثم فهو في شخصه وسيرته القانون الأدبي للجميع
وكأنه صلى الله عليه وسلم يريد ليعلّم الأمة بهذه القصة أن الجماعات لا تصلح بالقوانين والشرائع والأمر والنهي، ولكن بعمل عظمائها في الأمر والنهي، وأن الحاكم على الناس لا ينبغي أن يحكم إلا إذا كان في نفسه وطبيعته يحس فتنة الدنيا إحساس المتسلط لا الخاضع، ليكون أول استقلاله استقلال داخله
فليس ذلك فقراً ولا زهداً كما ترى في ظاهر القصة، ولكنها جرأةُ النفس العظمى في تقرير حقائقها العملية
وتنتهي القصة في عبارة القرآن الكريم بتسمية زوجاته صلى الله عليه وسلم (أمهات المؤمنين) بعد أن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة. وعلماء التفسير يقولون إن الله تعالى كافأهن بهذه التسمية؛ وليس ذلك بشيء ولا فيه كبير معنى، وإنما تُشعر هذه التسمية بمعنى دقيق هو آية من آيات الإعجاز، فإِن الزوجة الكاملة لا تكمل في الحياة ولا تكمل الحياة بها