للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأكمل كما هو دأبه في كل صفاته الشريفة، فهو يريد أن تكون زوجاته جميعاً كنساء فقراء المسلمين ليكون منهن المثل الأعلى للمرأة المؤمنة العاملة الشريفة التي تبرع البراعة كلها في الصبر والمجاهدة والإخلاص والعفة والصراحة والقناعة، فلا تكون المرأة زينةً تطلب زينة لتتم بها في الخيال، ولكن إنسانية تطلب كمالها الإنساني لتتم به في الواقع

وهذه الزينة التي تتصنع بها المرأة تكاد تكون صورة المكر والخداع والتعقد، وكلما أسرفت في هذه أسرفت في تلك، بل الزينة لوجه المرأة وجسمها سلاح من أسلحة المعاني كالأظافر والمخلب والأنياب، غير أن هذه لوحشية الطبيعة الحية المفترسة، وتلك لوحشية الغريزة الحية التي تريد أن تفترس. ولا تنكر المرأة نفسها أن الزينة على جسمها ثرثرة طويلة تقول وتقول وتقول.

وإنما يكون أساس الكمال الإنساني في الإنسان العامل المجاهد لا يحصر نفسه في شيء يسمى متاعاً أو زينة، ولا يقدر نفسه بما يجمع لها أو بما يجمع حولها، ولا يعتد ما يكون من ذلك إلا كالتعبير من عمل الشهوات عن الشهوات. ونبينا صلى الله عليه وسلم هو الغاية في هذا، دخل عليه مرة عمر بن الخطاب فإذا هو على حصير وعليه إزاره وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه. قال عمر: وإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع، وإذا إهابٌ معلق، فابتدرت عيناي، فقال ما يبكيك يا ابن الخطاب؟ قال عمر: يا نبي الله ومالي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبك، وهذه خزائنك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك كسرى وقيصر في الثمار والأنهار وأنت نبي الله وصفوته وهذه خزائنك؟

وجاء مرة من سفر فدخل على ابنته فاطمة رضى الله عنها فرأى على بابها سترا وفي يديها قُلْبين من فضة فرجع، فدخل عليها أبو رافع وهي تبكي فأخبرته برجوع أبيها، فسأله في ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: من أجل الستر والسِّوارين

فلما أخبرها أبو رافع هتكت الستر ونزعت السوارين فأرسلت بهما بلالاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت قد تصدقتُ به فضعه حيث ترى. فقال لبلال: اذهب فبعه وادفعه إلى أهل الصُّفة. فباع القُلبين بدرهمين ونصف (نحو ثلاثة عشر قرشاً) وتصدق به عليهم

يا بنت النبي العظيم! وأنت أيضاً لا يرضى لك أبوك حلية بدرهمين ونصف وإنَّ في المسلمين فقراء

<<  <  ج:
ص:  >  >>