وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يلقي بهذه القصة درساً مستفيضاً في فلسفة الخيال وسوء أثره على المرأة في أنوثتها، وعلى الرجل في رجولته، وأن ذلك تعقيد في الشهوات يقابله تعقيد في الطبع، وكذب في الحقيقة ينشأ عنه كذب الخلق، وأنه صرف للمرأة إلى حياة الأحلام والأماني والطيش والبطر والفراغ، وتعويدها عادات تفسد عاطفتها وتضيف إليها التصنع فتضعف قوتها النفسية القائمة على إبداع الجمال من حقيقتها لا من مظهرها، وتحقيق الفائدة من عملها لا من شكلها
وكل محاسن المرأة هي خيال متخيل ولا حقيقة لشيء منها في الطبيعة، وإنما حقيقتها في العين الناظرة إليها فلا تكون امرأة فاتنةً إلا للمفتون بها ليس غير. ولو رد َّت الطبيعة على من يشبب بامرأة جميلة فيقول لها: هذه محاسنك وهذه فتنتك وهذا سحرك وهذا وهذا؛ لقالت له الطبيعة: بل هذه كلها شهواتك أنت. . . .
وبهذا يختلف الجمال عند فقد النظر فلا يفتنه جمال الصورة ولا سحر الشكل ولا فراهة المنظر، وإنما يفتنه صوت المرأة ومجستها ورائحتها. فلا حقيقة في المرأة إلا المرأة نفسها؛ ولو أخذت كل امرأة على حقيقتها هذه لما فسد رجل ولا شقيت امرأة، ولانتظمت حياة كل زوجين بأسبابها التي فيها. وذلك هو المثل المضروب في القصة
يريد النبي صلى الله عليه وسلم ليعلم أمته أن حيف الغريزة على العقل إفساد لهذا العقل، وأنه متى أخذت المرأة لحظ الغريزة واختيارها كانت حياتها استجابة لجنون الرجل، وملأتها معاني التزيد والتصنع، فيوشك أن ينقلها هذا عن طبيعتها السامية التي أكثرها في الحرمان والإيثار والصبر والاحتمال، ويردها إلى أضداد هذه الصفات فيقوم أمرها بعد على الأثرة والمصلحة والتفادي والضجر والتبرم والإلحاح والإزعاج، ويضعف معنى السلب الراسخ في نفسها من أصل الفطرة فيتبدل حياؤها وفي الحياء ردها عن أشياء، ويقل إخلاصها وفي الإخلاص رد لها عن أشياء أخرى، ويكثر طعمها وفي قناعتها محاجزة بينها وبين الشر
وبهذا ونحوه يفسد ما بين الرجل والمرأة المتصنعة؛ فإذا كثر المتصنعات لا يكون من النساء مشاكل فقط، بل تكون من حلول المشاكل معهن مشاكل أخرى. . . .
ولبُابُ هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم يجعل نفسه في الزواج المثل الشعبي