وحديد صقيل، وأسفلها حوافر الخيل المتوثبة تضرب الأرض وهي قلقة إلى النضال؛ ثم دقت الكؤوس، وأمر القائد بالهجوم، فإذا بهذه السلسلة المستوية تنحدر إلى الوادي صاخبة داوية راعدة، ولكنها مع ذلك متماسكة مستوية حتى بلغت الجانب الآخر من الوادي، وكانت جموع التتار عنده تنتظر الهجوم لتجد عنده النصر الذي اعتادته في مصافها؛ واهتزت صفوف السلسلة المستوية عند الاصطدام كما تهتز الأسطوانة الطاحنة إذا صدمها حجر صلد؛ غير أنها لم تقف وأبطأ سيرها وخفت جريتها؛ ولكنها لم تنشعب ولم ترتد
وعلت قعقعة الحديد، واختلطت ضجة الأصوات، وارتمى البعض عن البعض، وتدحرجت الأجزاء عن الأجزاء
وكانت ساعة تشيب لهولها الولدان؛ ثم ازدادت سرعة السلسلة كأنها قد اجتاحت العقبة التي عاقت سبيلها؛ واندفع جيش مصر مرة أخرى وراء فلول منهزمة من التتار تجري فزعة في غير نظام نحو بيسان في أسفل الوادي
فلقد حطمت الجيوش المصرية جموع التتار المخيفة لأول مرة في تاريخها منذ خرجت على العالم تذيقه العذاب والويل؛ وكانت وقفة مصر في عين جالوت حماية للإسلام والمدنية والإنسانية