للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هذا: (لقد جئتم أيها القواد والأمراء من بلادكم جنوداً صغاراً لا تملكون شيئاً، بل كنتم مملوكين أرقاء. ولقد صارت لكم أموال وعقارات، وأصبحت في أيديكم النعم الجزيلة والخيول المطهمة، والجواهر والحلي التي لا يستطاع تقدير قيمتها. فهلموا فابذلوا كل ما عندكم من تلك الأموال حتى إذا ما صرتم كالناس لا تملكون إلا ما يملكه أوساطهم، كان الواجب على الأمة أن تبذل كل ما تملك في سبيل الجهاد من ورائكم. وليست العامة بمعزل عن الحرب ولا هي مترددة في خوض غماره. فهلموا! اسألوا سهول فارسكور عن الألوف من أهل الريف الذين حاربوا الفرنج، وأبلوا في حربهم أحسن البلاء. وهلموا فنادوا أن النفير عام تجدوا الناس جميعا عند ندائكم مسارعين إلى الجهاد والنضال)

ولقد انفض ذلك المجلس على اتفاق وثيق، فخلع السلطان علي ونودي بالسلطان الجديد: الملك المظفر قطز، ونودي على الناس جميعا أن النفير عام إلى الغزو في سبيل الله

وهكذا كانت الحركة حركة مصر، والجهاد جهادها لا جهاد أمرائها

وخرج السلطان بموكبه في أواخر شعبان سنة ثمان وخمسين وستمائة، وبلغ الشام في رمضان ونزل على جانب الأردن في أواخر شهر الصيام

وكان إلى جانب وهدة الأردن واد من الوديان الكثيرة التي تهبط من جبال فلسطين أو تلالها، تخرج فيه عين من مرتفع لا يزيد علوه على مائتي متر وتسمى عين جالوت، وذلك الوادي على مقربة من بيسان التي اشتهرت بابنها النجيب القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني. وقد اجتمع جند مصر عند ذلك الوادي، آتيا من علايات فلسطين. وكان جند التتار قد توافوا في وهدته آتين من دمشق بعد أن جروا عليها ذيل تخريبهم وتدميرهم

وجال التتار في السهل وهم يتضاحكون ويمرحون، ينظرون إلى جنود مصر بلباسهم الزاهي، وسلاحهم الثمين، وحليتهم الرائعة، ولعلهم كانوا إذ ذاك يقول بعضهم لبعض: هاهي ذي غنيمة لم يسبق لنا عهد بمثلها، ولا عجب فهي كنوز مصر

واجتمع جند مصر من أتراك وعرب، وبرزوا على عادتهم صفوفا من الفرسان لا تكاد ترى فيها ميلا ولا عوجا، كل فارس منهم على فرسه كالجبل الراسي إذا تحرك، فكأنما إرادة واحدة تتحرك، فالفرسان إذا تحركت فهي خيل مقبلة، والخيل إذا أقبلت فهي فرسان مهاجمة، وانتظم السلك فإذا الجيش سلسلة تطوق جوانب الوادي، أعلاها نحاس براق

<<  <  ج:
ص:  >  >>