فجد في قتل الأولاد الذين ولدوا في بيت لحم في تلك الأيام. فأمرت مريم بأن تهاجر بابنها ومعها خطيبها يوسف النجار فذهبت إلى مصر وأقامت فيها مدة قيل إنها كانت سبع سنين أو أقل، إلى أن أمرت بالرجوع إلى فلسطين، لأن الذي كان يطلب نفس ولدها قد هلك، فعادت
وهذه الهجرة نص عليها في إنجيل متي وإنجيل برنابا ولا وجود لها في سائر الأناجيل الثلاثة الأخرى المعروفة؛ فهجرة المسيح كانت تابعة لهجرة أمه خوفاً عليه ولم تكن بإرادته
محمد عليه السلام
من ذلك كله نرى أن محمداً لم يكن بدعا من الرسل الذين هاجروا من قبل، فقد جاهد جهاد الأبطال في إذاعة دعوته بين الناس، وقد أوذي في الله تعالى هو وأتباعه. حتى إذا لم يبق في قوس تصبرهم منزع سهل الله تعالى إسلام أهل المدينة فأقبلوا على الدين بمحض اختيارهم، حتى إذا كثروا جاءوا إليه وبايعوه على النصرة، فأذن لأصحابه في الهجرة وبقى هو وأبو بكر وعلي والمستضعفون. فلما مكر به كفار مكة ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه وصحت منهم العزيمة على ما بيتوا، أمره الله تعالى بالهجرة (وكان أبو بكر يعد لها العدة) فامتثل الرسول أمر ربه وآذن أبا بكر بذلك ففرح وحاول أن يدعوا صهيب بن سنان للسير معهما فلم يقدر له ذلك، وخرجا إلى غار ثور فأقاما به ثلاثا. وقد جهد كفار قريش في العثور عليهما فصرفهم الله عن ذلك، وقد كانا منهم قاب قوسين أو أدنى؛ ثم ذهبا إلى المدينة بعد أن هدأ الطلب يدل بهما عبد الله بن اريقط وهو على شركه إلى أن وردا قباء ثم المدينة هاربين بدينهما. فبدل الله خوف رسول الله والمؤمنين أمنا، ومكن لهم في الأرض، وأرى كفار قريش منهم ما كانوا يحذرون، وأتم الله نعمته على أهل الإسلام، مكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم إلى أن مضى رسول الله لسبيله، وقام خلفائه من بعده يحملون عبء تبليغ الرسالة والتمكين للدين؛ وانتشر الإسلام شرقا وغربا؛ وكانت الهجرة على رسول الله وأمته خيرا وبركة كما كانت هجرة الأنبياء خيرا وبركة عليهم من قبل؛ ولله عاقبة الأمور؛ لا مبدل لكلماته، ولا معقب لحكمه؛ وهو العزيز الحكيم