للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يحتفظ دائماً بحلقاته القديمة؛ ومن المرجح أن معظم العلماء والأدباء الذين ظهروا في هذا العصر كانوا ينتفعون بالدرس في المعاهد الثلاثة، ومن المرجح أيضاً أن الأزهر كان له في تخريج أولئك العلماء والأدباء أوفر نصيب، لأن دار الحكمة لم تتمتع دائماً بكثير من الثبات والاستقرار، وقد أغلقت فيما بعد؛ ولم يكن المسجد الجامع معهداً منتظماً للدرس، وكان الأزهر أكثر المعاهد الثلاثة انتظاماً واستقرارا

كان في مقدمة الأساتذة الذين تولوا التدريس والإقراء بالأزهر منذ إنشائه بنو النعمان قضاة مصر؛ فكان القاضي أبو الحسن علي بن النعمان أول من درس بالأزهر، فعقد أول حلقاته في صفر سنة ٣٦٥هـ وقرأ فيها مختصر أبيه في فقه آل البيت، وكان فوق تضلعه في فقه آل البيت أديباً شاعراً، وتوفي سنة ٣٧٤هـ؛ ودرس بالأزهر أيضاً أخوه القاضي محمد بن النعمان المتوفى سنة ٣٨٩هـ، ثم ولده الحسين بن النعمان قاضي الحاكم بأمر الله؛ ومن المرجح أن فقيه مصر ومؤرخها الكبير الحسن بن زولاق (المتوفى سنة ٣٨٧هـ) كان بين الذين تولوا الدرس بالأزهر يومئذ، فقد كان صديق المعز لدين الله ومؤرخ سيرته، ثم صديق والده العزيز، ومن المعقول أن يقع الاختيار عليه للتدريس بالمعهد الفاطمي الجديد

ويجب ألا ننسى أن الوزير ابن كلس نفسه كان في مقدمة العلماء الذين تولوا التدريس في الأزهر. وقد رأينا في بحثنا السابق كيف كان هذا الوزير العلامة أيام العزيز بالله يعقد حلقاته الدراسية أحياناً بالأزهر وأحياناً بداره، ويقرأ فيها محاضراته في الفقه الشيعي ولاسيما رسالته الشهيرة المعروف (بالرسالة الوزيرية) وقد كانت من أقدم كتب الدراسة التي درست بالأزهر

ونستطيع أن نذكر من أعلام التفكير والأدب في هذا العصر عدة، وهم بلا ريب ممن كان للأزهر في تكوينهم العلمي أثر كبير؛ فمنهم المسبحي الكاتب والمؤرخ الأشهر، وهو الأمير المختار عز الملك محمد بن عبد الله بن أحمد الحراني، ولد بمصر سنة ٣٦٦هـ وتوفي سنة ٤٢٠؛ وكان من أقطاب الأمراء ورجال الدولة الفاطمية؛ وتولى الوزارة للحاكم بأمر الله ونال حظوة لديه؛ وأخذ بقسط وافر في مختلف علوم عصره، وشغف بتدوين التاريخ، وألف فيه عدة كتب منها تاريخه الكبير المسمى (أخبار مصر) وهو تاريخ مصر ومن حلها من الولاة والأمراء والأئمة والخلفاء وما بها من العجائب والأبنية، وذكر نيلها وخواصها

<<  <  ج:
ص:  >  >>