مثل هذه الصفة. على أثر هذا أستأجر خبيرة في علم وظائف الأعضاء أسمها الآنسة (هوزمر) فأثبتت له أن الفئران وأمثالها من الحيوانات القارضة يمكن أصابتها في المجال الكهربائي بأي قدر يراد من الحمى. وبعد ذلك أستخدم الدكتور (كربنتر) وهو بكتريولوجي ذو خبرة وأمانة، فعدى كثيراً من الأرانب بالجذام ثم وضعهم في المجال الكهربائي ليصيبهم بالحمى فشفاهم بذلك.
نشرت هذه الأبحاث منذ ثلاث سنين، كان من المنتظر أن تثير في عالم الطب عاصفة، ولكنها لم تثر إلا نسائم خفيفة، وسبب هذا أن الطب امتلأ في السنوات الأخيرة بأكاذيب كثيرة وشعوذة مهينة للعلم، صدرت عن علماء أو متعالمين، وعدا هذا فالجديد أينما سار يجر وراءه ظلاً من الريبة، ولاسيما إذا كان الجديد بالغاً في الغرابة، شديد المناقضة للمعروف، وقد تكون بساطته سببا لتهامه، وتعقده شفيعاً له الى قلوب الناس وعقولهم.
لم يجزع (كربنتر) للذي لقي من جمود القوم، وأخذ سبيله فبنى صندوقاً أشبه شيء بناووس الموتى، وأغرى قوماً يؤمنون بالتضحية في سبيل الخير بالدخول فيه، فاستطاع بالكهرباء أن يرفع درجة حرارتهم، لم يلبث قليلاً حتى وجد أنه بضغط زر أو إدارة عقرب يستطيع أن يتحكم في حرارة المريض رفعاً أو خفضاً مقلداً بذلك حمى الملاريا، ولم يلبث أن ذهب هذا العلاج بجنون ثلثي المرضى الذين عالجهم. ولكنه كان علاجاً مؤلماً شديد الوطأة، وهو فوق ذلك لا يؤتمن، لأن المريض أثناءه يتصبب عرقاً يتجمع يتجمع فتتركز الطاقة الكهربائية، فيحدث من هذا تفريغ ينشأ عنه شرر وبرق يحرق جلد المريض، ولعل جنون المرضى في الأحوال المذكورة كان رحمة، فلولاه لخافوا الألم ونظروا في العاقبة فاحجموا.
لو أن تجربة (وتني) وقفت عند هذا الحد لما قدر لها النجاح، ولكانت طرفة نفعها للعلم وللتاريخ فحسب، ولظل الطبيب الى الأبد يعالج هذا الداء بالزرنيخ، ذلك العقار السام الذي لا تؤدي القناطير منه الى شفاء تام لا شبهة فيه. ولكن في يوم شات مثلج من يناير عام ١٩٣١ بالولايات المتحدة بلغ رجلا من العلماء ما كان من أمر التجربة، ففكر فخال لساعته أنه لو صنع خزانة على مثال الناووس وأمَرَّ فيها تيارا من الهواء الساخن بقدر لبخر بذلك العرق المتساقط من المرضى فحماهم خطر الحريق. وبعد عشرة أشهر كان هذا العالم مع رفقة آخرين آثروا جميعا ستر أمرهم الى حين قد أتموا الخزانة في حجرة من مستشفى