متداع ببقعة بغرب الولايات لا تسمى. وكان فاتحة أعمالهم أن وضعوا فيها ضحية من ضحايا الزهري (ولم تكن الخزانة تهيأت للهواء الساخن يمر فيها) ولكن الرجل كان في المرحلة الأخيرة من المرض يعاني كربه فلم يبال أحيّاً خرج من الخزانة أم ميتاً، ولعله رأى فيها وسيلة انتحار أضمره لا تصم ذويه من بعده، واليوم هذا الرجل حي يرزق إن كان يشكو شيئا فذلك انه لا يكتسب من عمل يومه بمقدار ما يحب.
وأدخل الهواء في الخزانة على درجة ٥٠ مئوية وكانت هذه الحرارة تظن كافية لتجفيف قطرات العرق المتجمعة على أجسام المرضى، ولكن هذا الظن لم يتحقق كله، وعلى رغم ذلك جرى العمل على ما رسم بفضل مهندس شاب مخلص قيم على جهاز الهواء، وممرضات صبورات كن يبعثن من لطفهن وأنوثتهن وحنانهن الأمل والرجاء، في قلوب المرضى التعساء، وهم في الخزانة، في ألم من الداء وهول من الدواء.
وفي ذات أحد من الآحاد اشتعلت النار بالخزانة فانقض في نصف ساعة بناء عام، فكنت لا ترى إلا ركاما من فحم ورماد وأنابيب منصهرة وأسلاك ملتوية، والى جانب هذا الحطام المهندس الفتي والممرضات بعيون شاخصة حجبت أبصارها الدموع.
لم تستطع النار ولا الدمار اللاحق أن يضعف من همة تلك الرفقة الكريمة في صراعها في سبيل الخير. فلم يمض قليل من الزمن حتى أقاموا خزانة جديدة أقرب الى الغرض وأكثر إراحة للمرضى، وقد يكون بعض النفع من البلاء. وجاءت النقالة بعد النقالة تفرغ في الخزانة الجديدة حمولتها من أجسام أهلكها الجذام وأعقابه، وما لبث الكثير منهم أن خرج من المستشفى على رجليه يسعى كالناس يحدوه رجاء جديد في حياة جديدة. من ذلك شاب بلغ الزهري الى أعصابه وشرايينه فلم يكن يستطيع الحراك ولا إطعام نفسه. حم في الخزانة ثلاث مرات كل مرة خمس ساعات فاستطاع بعد ذلك أن ينال فمه بيده. وبعد الحمى الثامنة استطاع أن يقف لأول مرة على قدمين مرتعدتين، وذلك بعد عام من بدء العلاج، وهو الآن يزاحم الأحياء بالمناكب في الطرقات يسعى الى رزقه سعيهم الى أرزاقهم.
ومن ذلك طفل في التاسعة من عمره جاءت تقوده أمه لأن الزهري كان أصاب عينيه فلم يكد يفرق بهما بين نور النهار وظلمة الليل، حم تسع مرات فارتد إليه بصره كما كان.