للفاتحين، غير أن العرب كانوا يتركونها للأهالي يزروعنها على أن يؤدوا جزءا من غلتها ضريبة عقارية تسمى خراجا
ولما استولى العرب على بلاد فارس والشام ومصر اتخذوا لأنفسهم طرازا للعمارة خاصاً بهم، يتناسب وطبيعتهم وحالة معيشتهم؛ وقد فاق هذا الطراز طراز الفن البيزنطي والفارسي من حيث الرقي وجمال التنسيق والإتقان. والعرب - كما لا يخفي - مولعون بالتقليد، كما أنهم معروفون بالابتكار المبني على هذا التقليد؛ وهم في ذلك أشبه بالأمة الإنجليزية. كذلك عني العرب بتخطيط المدن وشق المجاري لتوصيل الماء الصالح للشرب إليها. فشرعوا على أثر انتصارهم في موقعة القادسية (١٥هـ) في تخطيط مدينتي البصرة والكوفة، كما أسسوا على أثر فتحهم مصر مدينة الفسطاط
وكان لاختلاط العرب بالأمم التي تغلبوا عليها أثر كبير في تقدم المدنية. فقد بلغت النهضة العلمية أوجها في صدر الدولة العباسية بفضل تشجيع المنصور والرشيد والمأمون. فكانوا يبعثون البعوث للتنقيب عن الكتب القديمة في الكنائس والأديرة، وأرسل المأمون بعثات علمية إلى الهند والقسطنطينية لنقل الكتب النفيسة، ونشطت حركة الترجمة في ذلك العصر نشاطاً عظيما. فنقلت الكتب الفارسية والهندية والإغريقية إلى العربية، من بينها فلسفة أرسطو وهندسة أقليدس وجغرافية بطليموس، وغير ذلك من الكتب في الطب والفلك، وكان من أشهر المترجمين حنين بن اسحق، ويعقوب بن اسحق الكندي. وقد نهج الفاطميون والأيوبيون في مصر، وأمراء بلاد الأندلس في الغرب نهج العباسيين. كذلك اهتم العرب اهتماماً كبيراً بدور الكتب العامة حتى بلغ عدد المجلدات في مكتبة القاهرة في عهد الفاطميين خمسمائة ألف مجلد، وفي مكتبة قرطبة أكثر من أربعمائة ألف مجلد
ولم تقتصر علوم العرب على ما نقلوه من غيرهم. فقد فاقوا أساتذتهم من الفرس والإغريق، ولا غرو فقد شجع اتساع رقعة الدولة الإسلامية وانتشار التجارة فيها على رقي علم الجغرافية. ولا عجب فالعرب بدو رحل بطبيعتهم. ومن أشهر الرحالة من العرب المسعودي وابن جيير وابن بطوطة الذين طافوا الأقطار ووصفوا الجهات المختلفة وصفاً دقيقاً مبنياً على المشاهدات ومهدوا بذلك سبيل الكشف الجغرافي. كذلك اهتم العرب بعلم التاريخ فوضعوا فيه المؤلفات القيمة، كما نبغوا في الشعر والأدب. ولا غرو فقد أثرت فيهم