قوتها في إثبات أن العلم بمعناه الحديث مطلوب مأمور به في الإسلام، فإن الآيات القرآنية الكثيرة الواردة في الحض على تطلب آيات الله في الكون وتعرف أسرار الخلق هي في الواقع توجيه للعقل إلى مجالات العلم الذي يسميه الناس بالعلم الطبيعي، بل هي أوامر من الله بطلبه، لأن آيات الله في الكون التي ندبت تلك الآيات القرآنية الكريمة إلى طلبها ليست بأكثر ولا أقل من أسرار الفطرة التي هي مطمح العلم ومرماه فأنت إذا قرأت مثل قوله تعالى:(وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً، ومن كل الثمرات جعل فيها زوجيين أثنين، يُغشي الليلَ النهارَ، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون. وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرعٌ ونخيل صنوانٌ وغير صنوان، يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون)(وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر، والنجومُ مسخرات بأمره، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون)(قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلقَ)(قل انظروا ماذا في السموات والأرض) - إذا قرأت هذا وأمثاله في القرآن لم تشك في أن العلم الحديث قرآني في موضوعه، إذ هذه العلوم الطبيعية إنما تبحث عن أسرار هذه الظواهر الكونية التي نبه إليها وأمر بالبحث فيها القرآن
فإذا أنت استقريت الآيات القرآنية الكونية لترى هل ورد في بعضها مادة (علم) اللغوية، وجدت أن هناك أكثر من آية وردت فيها هذه المادة إن لم يكن في صيغة المصدر ففي صيغة مشتقاته، مثل قوله تعالى من سورة الأنعام (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر، إن في ذلك لآيات لقوم يعلمون) وقوله سبحانه من سورة الروم: (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم، إن في ذلك لآيات للعالمين) وإذن فهذا العلم الطبيعي ليس فقط قرآنياً بموضوعه بل هو قرآني باسمه، وإذا كان الناس قد اصطلحوا اليوم على تلقيبه بالحديث فقد آن لهم أن يتذكروا أن فاطر الفطرة سبحانه قد أمر به الإنسان لما أنزل القرآن هدى للناس كافة منذ نيف وأربعة عشر قرنا من الزمان.
وفي الحق أن الإنسان ليأخذه العجب من كثرة ما لقيت هذه الناحية من التوكيد في القرآن، ثم من ترخي المسلمين برغم ذلك في طلب هذا للعلم، ولو للانتفاع به في تفسير ذلك الجزء من القرآن. إن الآيات الواردة لتلفت الإنسان إلى أسرار الفطرة وتحثه على تفقهها، لا تكاد