وأطلق الصدقة عليهما ليستعفا. . . وبهذا أشفق على المريض وحارب جراثيم مرضه! وهو خلال ذلك ينتظر أن يغمرهم نور التوبة ويصرفهم عما فيه وازعُ الضمير
وقد يعجب المرء من هذه العاطفة التي لو أخذنا بها لعطلت الحدود. إذ كيف نتصدق على سارق أوجب الشرع قطع يده، أو على زانية أوجب رجمها؟ ذلك أن الرسول يدرك أن الغاية من الشريعة الهدى والرحمة، وأن القصاص سبيل يسلكه الشارع إذا عز الوصول إلى الهدى إلا به
فهو بهذا دل على إنسانية سامية تفهم الوجود رحمة ومحبة، وإن روحه لتتصل بالمذنب اتصالها بالبريء، وأنه يحب الناس مهما فعلوا، وأنه يجد في نفسه ميلا إلى الرفق بالآثمين، وهذا الميل جعله يسلك السبل المتعددة ليدفع عنهم آثامهم ويطهرهم من أرجاسهم. ونرى بعد هذا كله - هذه الكتلة من الرحمة والمحبة تقف أمام الرحمة الشاملة تدعو ربها:
(اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب
اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس
اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد)
أليست هذه الإنسانية بأسرها تتمثل في شخص الرسول تطلب إلى الله أن يشملها برحمته؛ ويغسل خطاياها برأفته حيث تغسل الأوزار وتضيع حدود العقاب في عالم تعمره الرحمة وتسكنه المحبة، لا نهايات له ولا حدود؟