فتعقر الجمال طلباً للماء الذي في أكراشها. وللإبل إحساس غريب بالماء تشمه من بعيد؛ كثيراً ما نجت القوافل بسببه، وقد يحدث أن يأبى على الناقة صاحبها فلا يفهم معنى تشبثها باتجاه خاص في الصحراء فتقطع الرسن وتركب رأسها، فإذا بلغت الماء كرعت منه لأمسها ويومها وغدها
والأعراب تشرب من الإبل لبنها، وهو بالغ في دسمه، وتأكل لحمها، وتلبس من وبرها. ولكن الخدمة الكبرى التي أداها الجمل للإنسانية من قديم هي وصلة الأقطار فصلت بينها قفار كالمحيطات ما كان لغير الجمل أن يجتازها. فأثره في تجارة الأمم العتيقة كبير. وقد كان وحده وصلة ما بين الشرق والغرب
والجمل إن كان في جسمه القدرة على الحمل، ففي خلقه الأناة والصبر. يكتسبهما ولادة وبالمران. وهو برغم نفعه من أغبى الحيوانات. أو لعله لغبائه كان نافعاً ذلولاً صبوراً. وإنك لتجد هذا في الناس. وهو لا يألف صاحبه ألفة الحصان والكلب. وهو كالبدو يكره البحر. وأكثر الثدييات إذا ألقاه الرجل في الماء وجد لديها من طبيعتها فهماً للعوم أو بعض فهم. أما الجمل فإذا غُصب على المسير في ماء غير ضحل كالنهر ففقدت رجلاه الأرض لم يحاول أن يعوم، وإنما يدور جسمه ويسلم نفسه للغرق
والجمل على صبره ذو غضبة منكرة، وهو حقود ذكور. حكوا أن جملاً كان يساق في إدارة عصارة للزيت فضربه سائقه ضرباً موجعاً. ومضت أشهر بعد ذلك، فظهر كأن الإساءة انتُسيت. وفي ليلة قمراء جاء الجمل يتلصص حيث يرقد السائق فوجد ما يشبهه وهو نائم فانقض عليه بكلكله وأخذ في الثياب تمزيقاً يحسب الرجل فيها، فلما فرغ تحدث إليه الرجل من بعيد، فاغتاظ الجمل اغتياظاً شديداً، وغضب لخيبته غضبة نكراء ضرب فيها الحائط برأسه ضربة أردته قتيلاً