والجمل معشب مرتوٍ هانئ، فإذا خرج إلى الصحراء على سفر طويل ومجهد، فأعوزته الخضرة والماء، رجع إلى ما على ظهره، يحرق منه لغذائه؛ ويصمد به لغيلة الجوع حتى يذهب كله ويخلو منه جلده. ولكنه لا يلبث أن يعود من سفره حتى يأخذ في الادخار من يوم النعيم والوفرة ليومه العبوس الآخر، فيثقل بالدهن ظهره، ويشتد عليه جلده. والأعرابي قبل الترحل الطويل يمتحن سنام راحلته كما ينظر ذو السيارة في خزان بنزينه؛ والحيوانات الثديية الأخرى تدخر الدهن، ولكنه يتوزع على كل جسمها. كذلك تدخره الحيوانات التي تنام طوال شتائها، وتصحو في الربيع لتأخذ مع الأحياء نصيبها من العيش وطيب الحياة، وتدخر من الدهن لحين تنام مرة أخرى
والجمل له جسم ضخم ليس فيه جمال كثير، تحمله قوائم طويلة تتراءى كأنها تعجز عن حمله، ولكنها غاية في الصلابة. وعظام هذه القوائم فوق متانتها بيضاء ناصعة حتى ليستعيض بها الهنود في شمال الهند عن سن الفيل في تلقيم بعض مصنوعاتهم. وطال الجمل لينال الشجر فبعد عن الأرض، فكان لابد له من طي قوائمه لينالها. وهو حين يبرك على الأرض يبرك على كتل خمس متصلبة في جسمه يقال لها الثّفِنات، واحدة في صدره واسمها السّعدانة، واثنتان في ركبتيه، واثنتان في أصول فخذيه. والثفنات تولد مع الجسم ليستتم به خلقه كالأذن والعين
وللجمل رقبة حنواء طويلة تحمل في أعلاها رأساً صغيراً، لا يحمل القرون التي هي من خصائص المجترات، وله عينان نجلاوان ناعستان وله أنفان يغلقهما إذا شاء ويفتحهما إذا شاء، وفضل هذا ظاهر في الريح السافية؛ وفتحتا أنفه بعيدتان بعداً كبيراً عما بداخلهما من غشاء وغدد مخاطية، فهي لا تتحلّب مخاطا كالبقر وسائر المجترات. كذلك تطول شفته العليا وتتدلى على شفته السفلى فتحجبها أو تكاد. وشفته العليا مشقوقة شقين كالأرنب يحركهما أو يحرك أحدهما على هواه وهو يأكل حتى كأنهما يدان
وغذاء الجمل في مواطنه الأولى أفرع الشجر وأوراقها، وهو يأكل الشوك ولا يبالي، ويأكله دون أن تدمى شفتاه. وهو يأكل الحب والتمر، ولكنه لا يستغني عن الأخضر من الطعام. وله صبر على الجوع والظمأ، فهو يقضي أياماً قد تطول إلى العشرة دون طعام ولا شراب. وقد يقضيها حاملاً المعهود من أثقاله. وقد يحدث كثيراً أن يفرغ الماء من القافلة