للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هيبتهم إذا هم خالطوا الناس طويلاً، أما محمد فلم تكن مخالطته للناس وتبسطه في معاملتهم إلا عاملاً على رفع مكانته وإعلاء شأنه بينهم. وينتقل المؤلف إلى ما كان من توسط أبي طالب بين قريش ومحمد في أن يسودوه عليهم ويزوجوه أحسن بناتهم على أن يترك تسفيه دياناتهم والدعوة إلى الله، ويحلل جرأة محمد في رده التاريخي الخالد، ويقارن بينها وبين جرأة ميرابو خطيب الثورة الفرنسية ولوثر زعيم الإصلاح الديني وأبي بكر وعمر، والرياشي في ذلك التحليل موفق أحسن التوفيق، فهو يوضح أن جرأة بعض الزعماء والمصلحين تستند إلى قوة الجماهير وصولة الجماعات، بينما ترتكز جرأة البعض الآخر على جلال الإمارة وهيبة السلطان، أما محمد ابن عبد الله فلم يتح له من ذلك شيء، فجرأته لا تقاس بها جرأة، وإقدامه لا يعدله في التاريخ إقدام

وبرغم ذلك التوفيق الجلي لاحظت أن الأستاذ وهو يعالج بعض النواحي يجتهد في ضرب من التحليل أرى أنه ليس من التاريخ ولا من فلسفة التاريخ في شيء، فهو يتساءل عن السر في خرس الجماهير مرات وسنوات إزاء الرسالة المحمدية، وعن السر في عدم إراقتهم دماء في هذا السبيل، ويقرر أن ذلك وقع برغم صياح أبي لهب وضجيجه، وأن ذلك كان لمعجزة، وأن هذه المعجزة هي أن شخصية النبي أحلت في نفوس القوم إيماناً جعلهم (يحترمون ويهابون ويؤمنون). ليس ذلك يا سيدي هو الواقع، وإنما الواقع الذي لا يقبل الجدل هو أن العرب حين جهر النبي بدعوته آذوه واستغربوا في إيذائه حتى أخرجوه من عشه مهاجراً إلى المدينة، وأنهم كانوا في ذلك معاندين مكابرين لا يحترمون ولا يهابون ولا يؤمنون، وأن شخصية النبي لم تغن من ذلك الإيذاء شيئاً. وليسمح لي الأستاذ الجليل أن أؤكده له أننا لو ذهبنا مذهبه من أن الرسول جهر بدعوته فاستجابت له الجماهير لأن تأثيره على محدثيه ومعاشريه تأثير المنوم المغنطيسي في المنوَّم كما يقول: لو صح يا سيدي أن ننسب ذلك لمحمد لهيأنا للمعترضين فرصة للطعن في دعوته فيقولون إن هذه القوة لا شك تبهر العرب بالباطل كما تبهرهم بالحق، والواقع يا سيدي أن العرب سخرت من محمد ومن دعوة محمد وليس يخفى خبر المستهزئين بالرسالة من قريش أمثال أبي جهل عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي وأبي لهب بن عبد المطلب وعقبة بن أبي معيط والوليد بن المغيرة عم أبي جهل والعاصي بن وائل القرشي والد عمرو بن

<<  <  ج:
ص:  >  >>