العاص والنضر بن الحارث العبدري وغيرهم ممن روى البخاري أخبارهم وحفلت بها بكون التواريخ
وفي موضع آخر من الرسالة يتناول المؤلف الكلام عن عدل الرسول الكريم فيسوق بعض الحوادث التاريخية التي تشهد بحبه للحق وانتصافه للناس حتى من نفسه. ثم يجاوز هذا إلى تحليل صفة العفو والغفران في نفس محمد، وهنا يمحو تلك المعجزة التي كان قد أثبتها للنبي، ويقر بما ناله من الأذى على يد قريش إذ يقول:
(أباحوا دمه ودمهم، وعلقوا في ذلك الحصار وتلك الإباحة صحيفة في جوف الكعبة طمأنة للمقتدرين على الأذية، وزادوا بأن أجازوا المعتدي بثروة)(ص ٩١)
ويجد الأستاذ في تحليل ما كان من شأن الرسول الكريم مع قريش بعد فتح مكة من تسامح وغفران عظيمين، ويوازن بقوة بين هذا التسامح وذلك الغفران وبين ما أتاه برتوس قائد الغال بعد دخول روما وما صنعه بونابرت بعد دخول بولونيا، فيبدع في تحليل نفسية الرسول ويثبت سموه على غيره من قادة البشر وعظماء الإنسانية، ولعل أجمل ما ساقه في ذلك الموضع تصويره الرسول غالباً ظافراً يقف من المغلوبين فيضرب للتاريخ أعظم أمثلة التسامح والديموقراطية إذ يردد قول الله سبحانه وتعالى:
(يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)
ثم يجاوز ذلك إلى مخاطبة الخائفين من المغلوبين بقوله:
(اذهبوا فأنتم الطلقاء)
هذه لمحة سريعة لذلك الكتيب الذي يقول مؤلفه الفاضل إنه الأول من الثلاثين التي يعتزم إخراجها في فلسفة الإسلام، ونحن نهنئ الكاتب بجهده الجميل الذي يعد نوعاً جديداً في أدب السيرة المحمدية الشريفة، ونرجو للمؤلف التوفيق في إخراج بقية الأجزاء