رأت وزارة الحقانية في هذه الأيام أن تسير في إصلاح أحكام الأصول الشخصية، فنشرت على رجال القضاء الشرعي وغيرهم كتابا في ١٣ نوفمبر سنة ١٩٣٥م تدعو من شاء منهم أن يقترح ما يراه من أحكام المذاهب الأخرى سبباً للتخفيف عن الناس، ورفع الحرج عنهم
فكان الأستاذ الجليل، والعالم المجتهد، الشيخ أحمد محمد شاكر القاضي الشرعي، وأبو الأشبال أيضاً، حفظه الله لهم وحفظهم له، أول من بادر إلى إجابة هذه الدعوة، ولا غرو فالولد سر أبيه، ونشاطه من نشاطه، وإذا كان في الأزهر والمعاهد الدينية الآن شيء من النشاط، فهي مدينة فيه الوالد الأستاذ أبي الأشبال الأستاذ الكبير الشيخ محمد شاكر شيخ معهد الإسكندرية ووكيل الجامع الأزهر، والعضو الآن في هيئة كبار العلماء، فهو منشئ النظام الحاضر بالمعاهد، وهو باعث هذا النشاط الموجود الآن فيها
وإذا قلت عن الأستاذ أبي الأشبال (العالم المجتهد) فذلك هو ما يستحقه بطريقته في تأليف هذا الكتاب، إذ سار فيه على طريق السلف الصالح من الرجوع في استنباط الأحكام إلى كتاب الله تعالى وسنة رسول صلى الله عليه وسلم، ولا يعول في ذلك على أقوال أئمة المذاهب كما يعول عليها غيره، ولا يتعداها إلى النظر الصائب الخالي عن التعصب في كتاب أو سنة
وهو مرة يأخذ بأحد أقوال الأئمة الأربعة إذا وجده متفقاً مع كتاب الله وسنة رسوله، ومرة يأخذ بقول الشيعة أو غيرهم إذا كان متفقاً عنده مع ذلك، كما ذهب إلى الأخذ بقول الشيعة في وجوب الإشهاد على الطلاق لقوله تعالى:(فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله) فالظاهر من سياق الآية أن قوله (وأشهدوا) راجع إلى الطلاق وإلى الرجعة معاً، وهو قول ابن عباس، فقد روى عنه الطبري في التفسير: إن أراد مراجعتها قبل أن تنقضي عدتها أشهد رجلين كما قال الله (وأشهدوا ذوي عدل منكم) عند الطلاق وعند المراجعة، وهو قول عطاء أيضاً: فقد روى عبد الرزاق وعبد بن حُمَيد قال: النكاح بالشهود والطلاق بالشهود، والمراجعة بالشهود، نقله السيوطي في الدر المنثور