للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يحكم نفسه كما يشاء، أو أن يرقي أخلاقه كما يشاء، منعه الغرب من ذلك حرصاً على فائدته في هذا الاستغلال، والشرق لا يستطيع أن يقاوم إلا بالقوة، والقوة محرمة عليه. فهل بعد ذلك هو الذي يتحمل تبعة عدم اشتراكه في البناء

إني لأرجو أن الزمن ورقي الأفكار السياسية التي تخطو في هذه الأيام خطوات سريعة تجعل الغربي ينظر إلى الشرقي نظرة تعاون، فيدرك أن طريقة الاستغلال ليست أصلح الطرق حتى من الناحية الاقتصادية، وأن رقي الشرقي والسماح له بالبناء يزيد في صرح المدنية ويرفع بناءها، ويسرع في علو شأنها. وكما تبين للناس أن نظام الإقطاع وتسخر الملك للعبيد لم يكن في مصلحة الملاّك ولا العبيد، فحطموا هذا النظام من أساسه، وأسسوه من جديد على تحرير العبيد وتعاون الملوك والمستأجرين، وأرباب الأموال والعمال، فكذلك سيكون الشأن مع الحاكمين والمحكومين يتعاونون ولا يتقاتلون، ويتفاهمون ولا يتنازعون، ويتحاكمون إلى الرأي والعقل لا إلى القوة والسلاح. وأرجو ألا يكون ذلك بعيداً

على أن من العدل أن نقول إن التبعة في ذلك كله لا تقع على الغربيين وحدهم، فإن هناك عوامل في المسلمين أنفسهم جعلتهم في هذا الموقف الحرج. فهناك علماء جامدون ضيقوا العقل، وقفوا موقفاً مزرياً في تاريخ المسلمين، وعاقوا رقيهم وتقدمهم، فكان كلما حاول الإصلاح محاول ثاروا عليه باسم الدين، إن أراد إصلاح المحاكم ثاروا عليه ورموه بالمروق، وإن أراد تنظيم الإدارة الحكومية قالوا لا عهدنا لنا بهذا، ويجب أن نتتبع آباءنا وإنا على آثارهم مقتدون. وإن أراد تعليم المرأة قالوا ما بهذا أتى الدين! وهكذا كانوا حجر عثرة في سبيل كل مصلح حتى عظم الخطب، واشتد الكرب، وأولو الأمر في المسلمين إذ ذاك لم يكن يهمهم إلا شهواتهم وفخفختهم الكاذبة، ومظاهرهم الخادعة. أما الاتجاه الصحيح إلى ترقية رعيتهم وتثقيفهم، وتنوير أذهانهم، ونشر العدل بينهم فكانوا قلما يأبهون له. فهؤلاء وأولئك كانوا السبب في أن يقف المسلمون هذا الموقف الذين شكونا منه من قبل

ومع هذا فتنبه المسلمين اليوم، وسير حركات الإصلاح بينهم سيراً حثيثاً، يدعونا أن نؤمل قرب اليوم الذي يتبوأون فيه مكانتهم اللائقة بهم. فإذا قارنت هذه النهضة الداخلية في رقي الفكر السياسي عند الغربيين، وتعديل نظرتهم نحو المسلمين كان من وراء ذلك كله نهضة جدية يبني فيها المسلمون في المدنية بناء صالحاً مصبوغاً بعقيدتهم وأفكارهم، فنرى إذ ذاك

<<  <  ج:
ص:  >  >>