بحثه أخذ ثقافته العلمية من الأندلس، ودرس فلسفة ابن رشد، والقسم الخامس من كتابه في البصريات مستمد ومساير لكاتب ابن الهيثم في هذا الموضوع نفسه
وطالما ارتفعت شكوى رجال الدين في الأندلس من أن المسيحيين يدرسون علم العرب المسلمين، وعابوا مطران أشبيلية لأنه يدرس في جد فلسفة الكافرين، يعنون المسلمين
وعلى كل حال فجملة الأمر في مدنية المسلمين كما لخصها الأستاذ لكي خير تلخيص إذ قال:
(لم تبدأ النهضة الفكرية في أوربا إلا بعد أن انتقل التعليم من الأديرة إلى الجامعات، وإلا بعد أن حطمت العلوم الإسلامية، والأفكار اليونانية، والاستقلال الصناعي، سلطان الكنيسة)
هذا هو موقف المسلمين أمس من المدنية، ولابد أن نلقي نظرة على موقفهم اليوم من المدنية الحديثة. ومما يؤسف له حقاً أن نقول إن المسلمين لا يشتركون اليوم في بناء صرح المدنية اشتراكا كبيرا، لأن حديثهم هو تقليد للمدنية الحديثة، وقديمهم هو مدنية القرون الوسطى، فهم في الصناعات والمخترعات ونظم الحكومات والإدارات، وفي كتبهم التي تؤلف في العلوم الحديثة من جغرافيا وتاريخ وطبيعة وكيمياء وما إليهما، ونظام مدارسهم الحديثة ومحاكمهم وقوانينهم؛ كل هذا يقلدون فيه المدنية الغربية. وكلما زاد التقليد فيها عدت أقرب إلى الكمال؛ وقديمهم من مثل دراسات علومهم كالنحو والصرف والفلسفة الإسلامية، ومن مثل قضائهم في المحاكم الشرعية، ومن مثل مدارسهم الدينية، ونحو ذلك، كلها على نمط مدينة القرون الوسطى. فهم - في ظاهر الأمر - لا يضعون أحجاراً كبيرة في بناء المدنية الحديثة، ولا يلونونها بلون خاص. ولكن هل الذنب في ذلك ذنب الإسلام والمسلمين؟ إذا عرضت نفسك لتبني فمنعك صاحب البناء بالقوة فالذنب ذنب من مَنع لا من مُنع، وهكذا الشأن في موقف المسلمين. لقد سبقهم الغربيون باستخدام العلم في قوة تسلحهم إلى أقصى حد يمكن فيه استخدام العلم، فوجهوا هذه القوى الهائلة إلى الشرق، ولم يكن قد صحا بعد من سباته الذي سببه ما فسد من عقيدته، وما فسد من سياسته، وما فسد من شؤونه الاجتماعية، فسلط عليه الغرب كل قوته، فانتبه مذعورا؛ ونظر إليه الغرب نظرة استغلال، فساعده على كل ما يفيد الاستغلال، ومنعه عن عمل كل شيء يفيد الاستقلال، فهو إذا أراد أن يتثقف كما يشاء، أو يرقي شؤونه الاجتماعية كما يشاء، أو أن