للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولولا أن الناس يعلمون عن عيوب ضمائرهم وضمائر الناس الشيء الذي يحاولون إخفاءه ما كثر سوء ظنهم بالنفس الإنسانية، ومن العجيب أنهم يحاولون جعل حسن الظن بالنفس الإنسانية مبدأ عاماً وهم في سريرتهم يسيئون الظن بكل نفس من نفوس الناس، وهذا الاختلاف بين المبادئ النظرية والمعتقدات العملية أمر تشوق دراسته، والقصد من تلك المبادئ النظرية حمل الناس عليها للانتفاع بها لأن كل إنسان يود أن يحسن غيره به الظن وأن يسيء هو الظن بغيره، ومن عجائب الضمائر أنها قد تغري أصحابها بأن يعتقدوا إذا حلت بأعدائهم مصيبة أن المصيبة حلت بهم لأنهم أعداؤهم

والخبرة بالضمائر ينبغي أن تحذر المرء إذا رأى متخاصمين فلا يقول إن أحدهما فاضل ذو حق والآخر ناقص ذو باطل، فقد يكون كل منهما على حق أو على شيء من الحق أو على باطل، وقد يكون الأكثر حقاً هو الأكثر حظاً من الفضيلة، أو بالعكس قد يكون الأكثر حقاً هو أقلهما حظاً من الفضيلة، وقد يكون المناصر للحق والفضيلة بشعوره وعواطفه وبيانه هو أقلهما حظاً من الفضيلة، ولكن النفوس قلما تتقصى كل هذه الأمور ولا أهون عندها من أن تحكم بغير علم وأن تورط ضمائرها فيما حكمت فيه بغير علم، ومع هذا التورط فإن الناس قد يعرفون أن جليسهم غدار مغتاب بذيء اللسان فلا يمنعهم يقينهم وعرفانهم من مؤاخاته، وتتغابى ضمائرهم وتتعامى عن عيوبه وعن شره وقبح نفسه مادام مرجو النفع، فضمائرهم تتورط في الحكم بغير علم وتمتنع عن الحكم على علم

وفي الخليقة صنف آخر من الضمائر تكون أسقاماً عند أصحابها وتعظم عيوبهم في أعينهم، وهذا مرض نادر مثل مرض إيغال المرء في فحص نفسه

وضمير صاحب الشعور النبيل له أن يطالب بألا يعاقب على نبل شعوره ولكن ليس له أن يطلب جزاء أو شكوراً، إذا كان جزاؤه في نبل شعوره وإذا كانت مسرته فيه وشقاؤه في غيره

عبد الرحمن شكري

<<  <  ج:
ص:  >  >>