القائلين به مفتشين في المعارف وطائفة في أيديها أمر اللغة العربية في المدارس، ولا نود ذكر الأسماء لأنا نخشى أن يظن ذلك منا هجاء
وتزعم طائفة أخرى أن الأدب في التضلع من غرائب الكلم من مثل مبرنشق ومصمئل، وأن من لم يحط علماً بذلك ويستوي على شعر تأبط شراً وذي الرمة ويستظهر خطب المأمون الحارثي ومقامات الحريري لا يسمى أديبا
هذان رأيان من آراء الشيوخ وهما متناقضان، في أحدهما الهدم، وفي الآخر الجمود، لا تقوم بها نهضة، ولا يؤمل منهما إصلاح، لولا أن هناك طائفة ترى وجوب السير في نهج القديم والاستضاءة بضوء الحديث كرأي الأدباء الذين أخذوا على عاتقهم حمل مشعل الأدب. وهذه الطائفة لها أثرها ولها أنصارها، منها ذوو الطرابيش وأصحاب العمائم. غير أنه على غبطتنا بالطائفة الأخيرة ومقتنا للطائفة الأولى نقول: إن هذه الطائفة المعتدلة تقصر عملها وتحصر نهضتها في غرف الدرس وحلقات السمر، لم تخرج بعد ثمرة ولم تقم بمجهود، وأن الإكثار إنما هو لأولئك الهدامين، يكتبون ويتحدثون بما يرون بما لا يكاد يصح أن يسمى لغة عربية، ولا يكادون يقيمون لسانهم لحناً إذا ما تحدثوا دقيقة أو دقيقتين، ولكنهم على ذلك مكثرون وعاملون ما سمحت لهم المقادير
وطائفة الغريب منتجة غير أنه قليل، وعلى قلته لا يجد رواجا ولا ينفق إلا في سوق الراسخين
أما الشباب ففرقتان: فرقة كان موطن ثقافتها مصر، وفرقة رضعت لبان الأدب في فلسطين ولبنان، وبذلك تباينت عقليتهما وانشقت آراؤهما
فالذين تثقفوا في مصر يرون أن خير طريق لإنهاض الأدب هي الطريق التي تسير فيها جمهرة أدباء مصر، وهي أن تربية ملكة الأدب في دراسة نصوصه ونقد هذه النصوص وبحثها على المقياس الذي وضعه أولئك العلماء الذين أشفقوا على اللغة أن تضيع وخشوا فسادها على ضوء ما يجد من الآراء الصائبة وما يشرق من طرق البحث الأدبي القويمة. ولذلك تجد هؤلاء يتقلبون بين صفحات الأسفار ويأرقون لتحبير الرسائل والكلمات وينتقلون بين المدن والدساكر، يستملحون البيت من العشر، ويهشون للفقرة من النثر، ويهتزون طرباً لرؤية كتاب حديث يلتهمونه التهاماً، ثم يوسعونه نقداً، ويفتقون ما يصح من