رأي حصيف. وهؤلاء هم الذين يجاهدون في النهضة ويضعون أنفسهم حراس الأدب. يحيطون علماً بسيره في سائر الأقطار ويستلئمون لرد غارة دعي، وصد هجمة متطفل على الأدب يكيد له. ومهما لاقوا من عنت ووجدوا من قسوة، لا يأبهوا لما يكون حتى من أشد الشظف، ويؤيدهم في ذلك جمهرة من إخوانهم الذين تثقفوا في لبنان، وإن كان يكون بينهم نزر الخلاف
أما الفرقة الأخرى فهي تقصر الأدب على رقيق الغزل وبارع الخيال في الكلم، وما يبدع من مقالات الصحف السيارة. حتى ليعدون رئيس تحرير جريدة أديباً إذا ما أنشأ كلمة في علاج شؤون البلاد؛ وهؤلاء يريحون أنفسهم من عناء الدرس، اللهم إلا في كتاب حديث أو جريدة يومية، أو مجلة فكاهية، وجل مجهودهم قصيدة غزلية أو مقالة اجتماعية ينشرونها في نهر جريدة ما. وهؤلاء لا نشك في عقلهم ولا نرتاب في نيتهم، وإنما نفند رأيهم وندعي أن الميل إلى الراحة ومتابعة الأهواء والجري وراء غرائزهم هو الذي حدا بهم أن يسيروا في هذا النحو، وأن يعتنقوا هذا المبدأ، ولعلهم بعد يؤوبون إلى الحق أثناء سيرهم في قافلة النهضة السائرة، وأنه وأن كثر أنصارهم باتخاذهم أصحاب الصحف أصدقاء، وباهتبالهم فرصة هذه الصداقة لجعلها بوقاً لهم يرضون به غريزتهم وينشرون رأيهم؛ فهم أمام قوة الأدب الصحيح يضعفون ويضحل معين أدبهم فأنه سينضب، وحينذاك يعلمون حق العلم أنهم كانوا في وادي الضلال يعمهون، ومن ملح أجاج كانوا يشربون ويسقون
ولا يعجبن القارئ من عرض هذه الصورة ولا يدهش لهذا الاضطراب في الحياة الأدبية فإن المقادير تضافرت على خلق الاضطراب، وإن اختلاف السياسة خلق هذا التباين. ففلسطين كان أدبها معدوماً وكان أدباؤها غير مخلوقين قبل سنين، فالأتراك كانوا يتآمرون على الأدب العربي حتى في مصر، فما بالكم في فلسطين؟ والأزهر كان حرباً على الأدب ذاك الوقت وخاصة مع الأغراب، وجامعات مصر كانت تقفل أمام الفلسطينيين، والحرب العامة كان لها أكبر الأثر ففتحت البلاد عينها على بقية من القدماء وجمهرة من الدخلاء، ثم أضحت فلسطين منتدباً عليها أو مستعمرة، وقام على شؤون التأديب غرباء عن الأدب، فكان ذلك الركود ووجد ذاك السكون في أوائل العقد الرابع من القرن الرابع عشر الهجري إلى أن فتحت جامعات مصر على مصراعيها لأبناء فلسطين واتجه الأزهر يعنى بالأدب