ورقصت ممفيس في لجة من خمر، ورفرف حوريس فوق المسلات الشاخصة في الميادين، ولم يعلم أحد أنه كان يرى غير ما ينظر الناس، وأن عينه كانت تذرع الوادي الوادع السعيد وتكاد تضج مما أجن هذا الليل الرهيب. . . لا. . . بل كان الناس ينهلون أفاويق الحبور في صحراء ممفيس. . . في ليبيا العجيبة. . . ليبيا التي تصفر فيها الرياح، وتتكلم فوق كثبانها ألسن الألغاز والأسرار!!. . .
- ٨ -
وغرق القصر الملكي في أثير الموسيقى، وفي فيض من النور الذي يشبه الفجر الكاذب؛ ثم أخذت الركبان تنصرف والولدان تتفرق إلى مخادع اللهو، وأخذ الكرى يعقد أجفان ممفيس الصاخبة، التي كانت منذ هنيهة تعج بألالوف، وتضج بالجماهير
وعادت آية الليل. . . رهيبة كشأنها منذ الأزل. . .
وافتر خونسو مرة أخرى عن ابتسامة هي إلى العبوسة أدنى، وإلى السخرية أقرب!! يا لرهبة الأقضية! ويا لصرامة المقادير!
لقد أوى أبناء إيجبتوس كل إلى مخدعه، بعد إسراف طويل، ولذات لم يكن يخطر على بال أحد أنها تنتهي، وبعد قصف أيما قصف، وخلاعات ليست كمثلها خلاعات. . . فما كادت رؤوسهم تمس ديباج الطنافس حتى غطوا في سباب عميق، وحتى انطلقت أبالسة الشر من أغماد خناجر دانوس، التي بدت أظمأ ما تكون إلى الدماء الحارة الشابة، تجري في عروق أبناء إيجبتوس
- ٩ -
ولقد كان أبوهن قد اتفق معهن على هذه الغدرة الصفراء، وجعل لكل منهن علامة حين تأفد ساعة النفاذ، أن تطفئ الُّسرُجَ
إلا واحداً تدعه مطلاً من إحدى الكوى التي تواجه قاعته، إذ كان في هذه الليلة الليلاء ضيفاً على أخيه، وشريكه في مخدعه، ومنتوياً هو الآخر إنفاذ الغدرة الوحشية في شقيقه، ليخلو له وجه مصر!. . .