فهذا البحث الذي يتابع نشره الأستاذ محمد علال الفاسي على الطريقة الحديثة، عن أبي علي اليوسي، وبحثه القيم يبهر القارئ؛ وهو يكتب الآن بحثاً عن أثر شعر المتنبي في المغرب بمناسبة ذكراه الألفية، وموضوع كهذا، في وقت بالمغرب كهذا، يصدر بهذا العنوان الخطير، يكاد لا يصدقه العقل، وأحكم على البحث بالبراعة والإلمام بالموضوع لأنني اطلعت على جزء منه
وأما إذا بحثت عما يسمى بالإنتاج الأدبي، فذلك ما لا تعثر عليه، فليس يدور بخلد المغربي أن يعالج القصة، بل القصة عنده لهو وعبث يجب أن يضن عليه بوقته الثمين. . . وهناك شعر قليل ولكنه نظم ليس إلا، ذلك أن المغاربة يجهلون الشعر تماماً، اللهم إلا قواعد جافة لا تسمن ولا تغني من جوع. والذين يزعمون أنهم شعراء يزعمون كذلك أنهم أعلى من أن يحدثهم طه حسين مثلاً عن فن الشعر. يقلدون القدماء ويقفون ويستوقفون، مما كان سائغاً في العصور الغابرة أيام الناقة والجمل، أما اليوم فكل هذا محاكاة لا تمت إلى الحقيقة بصلة، وليست من الشعر في شيء. كذلك يفقدون المثل الأعلى، وإنما هو هذيان يجري إلى غير غاية، ومعان مفككة، وهم ضعفاء الخيال، والحقيقة أن حالة المغرب الاجتماعية لها الأثر الفعال في هاته الناحية، وهنا أستثني شاعر شبابنا الأستاذ محمد علال العباسي فاسمع هاته النغمات الحلوة يرسلها قلب عليم قد امتلأ حباً لهذا الوطن العزيز:
وإذا متُّ عليه فأنا ... مطمئن لرضاه المثمن
فاغسلوا بالماء منه بدني ... واجعلوا نسج بنيه كفني
وادفنوني في ثراه وضعوا ... فوق قبري منه زهر السوسن
واكتبوا فوق ضريحي بدمي ... هاهنا قبر شهيد الوطن
وإذا تصورت الشاعر منفياً عن مهد صباه، بعيداً عن الأهل والوطن، في باريس، طلبت منه أن تعيد النظر في هاته الأبيات؛ وهو لا زال لم ينشر ديوانه (روض الملك) بعد؛ وله قصائد رائعة - عند ما كان في باريس تجدها في مجلة السلام، يوم كانت مجلة السلام
وأكثر ما ينشر ويذاع من قصائد للمغاربة رديء سقيم، أشفق على قارئه وسامعه أكثر مما أشفق على قائله. . .
والآفة التي تستولي على المغاربة هي الكسل، وماذا يتطلب قول الشعر. . . هل يحتاج إلى