للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على أطراف أصابعه، ثم لا يتكلم ولا يتحرك ولا يمد يده ليلمس الفتاة، فضاق صدرها بهذا الإلحاح، وقالت له: (إذن لماذا تريد أن تصعد إليها؟؟ أكل مرادك أن تزعجها والسلام؟)

وأسفت لأنها احتدت فانقلبت تعتذر إليه بما تكابده من العناء، وتوزع القلب والجهد بينه وبين ابنتهما، فقبل اعتذارها، أو لعل الأصح أنه لم يجعل باله إلى ما بدر منها. وما ظنت أنه ساءه من حدة اللهجة وقال:

(لا تشغلي نفسك بي، وإذا احتجت إلى شيء فإن في وسع الخادمة أن تقضيه لي. أليست الممرضة مع فردوس؟ إذن دعي لي الخادمة فهي حسبي إلى أوان النوم)

فأبت عليه حتى الخادمة، وقالت: إن فردوس لا تستغني عنها، وأن في وسعه أن يصفق إذا أراد شيئاً فتجيء هي - زوجته - إليه. فترك الإلحاح، وعاد إلى جلسته وإطراقه وسهومه وكفّ حتى عن أن يرفع رأسه - على عادته - حين تدخل زوجته عليه، كأنما لم تعد به حاجة إلى سؤال، أو كأنما لم يعد يعنيه من الأمر كله شيء، وكانت زوجته تقف حياله هنيهة، ثم لا تأنس منه استعداد لكلام، أو تتوهمه أغفى فتسلل راجعة من حيث جاءت. وكأنما اطمأنت أو خشيت أن تزعجه أو توقظه، فصارت تترك الباب موارباً، ولا تكلف نفسها عناء إيصاده - كما كانت تفعل - من قبل اتقاء لما يحدثه ذلك من الصوت

ومضت ساعة وبعض ساعة، والدنيا أتم ما يكون سكوناً، لولا الرياح العواصف؛ وإذا بالباب يدق دقاً مزعجا، وإذا بالخادمة تنحدر على السلم، كأنما هي في سباق، أو كأنما وراءها الذي تهرب منه وتمضي إلى الباب فتفتحه ثم تغلقه، وإذا بالبيت يملأه بكاء وليد يصيح: (واء واء واء) ولا تمضي دقائق حتى يكون كل من في البيت قد أحاط به ما خلا فردوس المريضة التي لا تستطيع أن تبرح سريرها أو تنهض عنه، ويدخل هذا الجمع الحافل - سيدة البيت والممرضة والخادمة ورجل غريب يحمل بين يديه طفلاً ملفوفاً في أشياء كثيرة وعلى وجهه شف أرجواني رقيق جدا -

وتتقدم الزوجة من بعلها وتقول: (ماذا تظن؟ لقد وجد هذا الرجل طفلاً ملقى على مقربة من عتبة البيت! مسكين إنه وليد! ابن ساعة أو ساعتين على الأكثر! ماذا ينبغي يا ترى أن نصنع به؟ لا نستطيع أن نرده إلى حيث كان. . . ولا أحسبنا نستطيع أن نستبقيه. . . كلا! هذا أيضاً عسير علينا. ما ريأك؟ أشر كيف نصنع؟)

<<  <  ج:
ص:  >  >>