للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فيرفع وجهه إلى الناحية التي يجيء منها صوتها ويقول: (المهم الآن إرضاع الطفل - والوقت بعد ذلك فيه متسع للتفكير في مصيره، فانظري من ترضعه، ابعثي في طلب واحدة. . . اصنعي شيئاً. . . لا تقفي هكذا)

ولم يكن ثم ما يدعوه أن ينهرها على هذا الوجه، فما كانت قصّرت أو تلكأت، ولا كان مضى على دخولها عليه بالطفل إلا مسافة ما ألقت عليه خبر العثور عليه، ولكنه كان ضيق الصدر بما أجن لا بما حدث من التباطؤ، وكان يثقل عليه وجود الرجل ولا يرتاح إلى الحديث على مسمع منه في أمر هذا الوليد. ورأت زوجته منه هذا النفور، وأحست له سبباً باطناً غير ظاهره. فقالت صحيح. أين نجد مرضعة يا فاطمة؟ (الخادمة) أتعرفين واحدة قريبة من هنا أو جارة نستعين بها الليلة حتى نهتدي إلى مرضعة صالحة؟ (ونظرت إلى زوجها الذي لا يراها وقالت بسرعة كالمستدركة) أو نرى لنا في الطفل رأيا آخر

فقال الرجل بلهجة السأمان (أرضعيه أولا. . اذهبي، فما ندري كم ساعة له وهو ملقى، وإن كان الذي يبدو لي من سكوته أنه لا يشكو شيئاً وأنه على الأرجح - كما قلتِ أنتِ - حديث عهد بالولادة. . على كل حال يحسن أن تعني به الليلة كعناية الأم)

فانصرفوا عنه، ومضت الليلة بسلام، وجاءوا في الصباح بمرضعة للطفل، فقد أصر الرجل على اتخاذه وتبنّيه، وكانت زوجته حين رأت منه هذا الإصرار قد راحت تنكر عليه هذا العزم، وتخوّفه ما لا بد أن يعاني من جرّاء وجوده في البيت، وتنذره الضجات والضوضاء وغير ذلك، فإن الأطفال في سن الرضاع لا يوقّرون كبيراً، ولا يعنون براحة أحد، ولا يبالون ما يكون منهم، ولكن هذا لم يثنه عما صحّ عليه عزمه

ومضى عام ثم آخر، وحبا الطفل ومشى، ولم يفتر حنوّ الرجل عليه، بل صار هو سلوته، فكان يخرج به كل يوم ساعة في الصباح وأخرى في المساء. ولم يكن يبعد عن البيت لأنه مكفوف، فكان يتمشى في الحديقة الواسعة والطفل أمامه في مركبته الصغيرة، فإذا غادر البيت اكتفى بالطواف حول السور، وكان كلما التقى بفردوس والطفل معه، يتركه لها وينصرف عنها، ولا يبقى معهما في مكان، وكان ذلك يسر فردوس في أول الأمر لأنه يسمح لها بأن ترسل نفسها على سجيتها مع الغلام، ولكنه لما تكرر من أبيها، أزعجتها منه دلالة العمد فيه، ولكن ماذا تقول أو تفعل

<<  <  ج:
ص:  >  >>