للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وكانت زوجته كثيرا ما تشير في حديثها معه إلى فردوس وأنه لا يبدو لها خاطب بين الأقرباء والأصدقاء العديدين، فلا يقول الرجل شيئا، ولكنها أضجرته مرة فقال لها (دعيها، ولا تقلقي عليها، فإني أحسب الطفل سلوة كافية لها) فسألته زوجته بلهفة (ماذا تعني؟ كيف يمكن؟)

فابتسم الرجل وقال (أعني أن في وسعها أن تفيض عليه من أمومتها الكامنة؛ وكفى بهذا الطفل عزاء وسلوة مادام لا بعل لها)

وطال الأمر، وشق على الزوجة أن الحبائل الكثيرة التي ألقتها لم تقنص أحداً، ونفد صبرها وعجزت عن الكتمان فقالت بشجوها لزوجها، وكان هو أيضا قد مل هذه الأحاديث التي لا تنتهي فسألها (هل يسمعنا أحد. . انهضي وانظري)

ففعلت وعادت فطمأنته فقال (إذن اسمعي - لقد كنت أوثر أن أظل ساكتاً لا أتكلم، ولكنك أكرهتني على الكلام. وإني لضرير ولكن رأسي لم يعطّله شيء، فهل تذكرين كيف سافرت ابنتنا وقضت شهورا عند خالها في ضيعته؟ إني مازلت أذكر ذلك لأني أعلم أنها لم تكن عنده ولا عند أحد غيره من أقرباء أبيها أو أمها، وإن كنت أجهل أين أقامت كل هذا الزمن. . انتظري. فلست ألومك، بل أنا على العكس أثني على حكمتك، وحسناً صنعتِ، وقد عادت بعد ذلك فجأة وأوت إلى فراشها ساعة وصولها، وظلت مريضة حتى كانت الليلة التي دق علينا فيها الباب، وجاءنا الرجل بهذا الطفل. ومن حسن الحظ أن الرجل لا يعرف شيئا - ولست أدري كيف دبرت الأمر، ولكنك على كل حال أحسنت التدبير، ولولا هذه القابلة التي زعمتها ممرضة لاطمأن قلبي، وأمنت الافتضاح، ولكنها على ما يظهر استطاعت أن تكتم السر فالحمد لله. والآن وقد أحوجتني إلى الكلام أفلا يحسن بعد ذلك أن تعفيني من حديث الزواج التي لا تملينه؟)

فلم تقل شيئا حتى سمعته يحدث نفسه ويقول (مسكينة. مسكينة)

فنهظت وسألته (أتعطف عليها)

فأشار بيده إشارة من يريد أن تذهب عنه وهو يقول (بلهاء) ولم يدر بينهما بعد ذلك كلام في الموضوع

إبراهيم عبد القادر المازني

<<  <  ج:
ص:  >  >>