المفعول يذهب القليل منه بالسم الكثير الذي يقتل عدّة من كلاب كبيرة
وآمن رو بأن هذا الترياق سيشفي الأطفال لا محالة. وآمن به قبل أن يجهزه إيماناً كإيمان بارنج أو أشد منه تأكداً. تركز فكره على علاج الداء، واجتمع مقصده على شفائه، فلم يفكر قط في منعه. ونسي ما كان وصف من غرغرات. وظل يتردد على عجل بين معمله ومربط خيله، تارة ضارباً محاقنه في أعناقها وهي صابرة، وتارة حاملاً قوارير عظيمة البطون ملأى من دمائها وفي هذه الفترة كان نوع من الدفتريا شديد الخبث (هكذا ظن رو) يكتسح بيوت باريس. وفي (مستشفى الأطفال) كان يُحمل خمسون في المائة من مرضاه إلى بهو الأموات زُرْق الوجوه (أو هكذا أثبت الإحصاء). وفي مستشفى تروسو كان يموت ستون في المائة (ولو أن السجلات لم تذكر في جلاء أن الأطباء استيقنوا أن الذين ماتوا إنما ماتوا من الدفتريا لا من غيرها). وفي الأول من فبراير عام ١٨٩٤ جاء رو إلى (مستشفى الأطفال) بوجهه المستوف وأنفه الأقنى وصدره الضيّق وقلنسوته السوداء، فدخل إلى رواق الأطفال المرضى بالدفتريا وهو يحمل قوارير ملأى بهذا السائل الأصفر المعجز من المصل
وفي هذه الساعة، في المعهد الشهير بشارع ديتو، في حجرة المكتب هنالك كان يجلس رجل شيخ مشلول ينتظر خبراً ساراً يأتيه من رو. . . . وكان هذا الشيخ تبرق في عينيه بوارق الأمل فينسى أحبابه وأعزاؤه أن الموت انتقاه وأعلمه ثم تركه وعن قريب يعود في طلب المتروك تاركه. . . . . هذا بستور جلس في غرفة مكتبه من ذلك البيت العتيق لا يود أن يبرحها ويُسْلِم للفناء زمامه حتى يأتيه الخبر اليقين بأن تلميذاً من تلاميذه تمكن من محو داء آخر من الأدواء الخبيثة بهذه الحياة الدنيا
وغير بستور كان حول رو أمهات باريس وآباؤها يرجونه الإسراع في تجهيز علاجه رحمة بأولادهم من مرضى ومريضات - فقد كانوا سمعوا بذلك العلاج العجيب الذي ابتدعه الدكتور بارنج. وقالت طائفة منهم أنه يكاد يحي الموتى ويستخلص الأطفال من براثن هذا الداء بعد أن تنقطع فيهم الآمال. وكان رو يتلفت حوله فيستطيع أن يرى الناس رافعة أيديها إليه تطلب الرحمة والغياث
جهز رو محاقنه وقواريره بذلك الهدوء وذلك البرود اللذان أثارا إعجاب الفلاحين في تلك